خالد بن حمد المالك
محافظة العلا خالية إلا من بضع عدد من السكان لا يتجاوزون الـ40 ألف نسمة، لكن لا بد من التذكير بأنها كانت في الماضي مدينة مزدحمة بالسكان، ونابضة بالحياة، وهذا شيء طبيعي لمدينة يعود تاريخها إلى قديم الزمان.
* *
تذكروا عندما تزورون العلا، وتتأملون ما تختزنه الحجر من آثار، أن عليكم الوقوف على جبل إثلب، وجبل البنات، وجبل الأحمر، ومقبرة لحيان بن كوزا، مع الالتزام بحماية كل موقع تقفون عليه، وأن المطلوب منكم -كما يوصي المسؤولون- ألا تتركوا شيئاً وأنتم تغادرونها سوى آثار أقدامكم، ولا تلتقطوا شيئاً سوى الصور، وعليكم الاستمتاع بزيارة تتسم بالمسؤولية، والمحافظة على كل شيء أثار إعجابكم.
* *
يشير الكتاب الاستكشافي لمدينة الحجر الذي بين يدي، إلى أن الأنباط لم يتركوا لنا أي كتاب أو وثائق، مع أن لهم لغتهم وكتاباتهم الخاصة آنذاك، وتمثّل النقوش المكان الوحيد الذي توجد فيه كلماتهم في الوقت الحاضر، ويظهر بعضها أسماء أو تواريخ أو مهناً أو اسم الملك الحاكم، وتحتوي العديد من المدافن على نقوش فوق الأبواب أكثر تفصيلاً، وهذه النقوش تحذر الآخرين من أن يقوموا بإزعاجهم، وتهدد من يقوم بذلك بالعقاب واللعنات.
* *
أصبحت محافظة العلا مصدر ثقافة لمن يزورها، فقد كان الأنباط يعبدون العديد من الآلهة، مع وجود ديانات أخرى أتى بها الرحالة والتجار إلى الحجر، وكانت الممرات الصخرية المتعرجة مكاناً للعبادة، أما ما يُسمى بالديوان فقد كان هذا مكاناً للناس لتناول الطعام، واستخدامه للمناسبات الخاصة، وكان الناس -آنذاك- يعتمدون في جلوسهم على المقاعد المنحوتة، من الصخر، والأنباط -عموماً- ماهرون في عملهم كمهندسين، خاصة في توفير إمدادات المياه التي بدونها ما كان للعلا أن يكون بها حياة، كما كانوا تجاراً في البخور والعطور والتوابل والسكر والقطن، وكلها تمر عبر مدينة الحجر، حيث كانت مفترق طرق رئيساً في هذه الرحلات التجارية.
* *
لا أخفي سراً حين أقول إنني ذهلت بما رأيت، وسعدت بما شاهدت، وأسرتني هذه الإنجازات الكبيرة التي أعادت إلى العلا وهجها، ورغبة الناس في زيارتها، والتعرّف على مخزونها التراثي ذي القيمة العالمية، وأن المملكة تقدم اليوم نفسها من خلال الحجر في شكل آخر عن تنوع الحضارات التي مرت بها، بعد أن ظلت لسنوات طويلة مخفية، أو مؤجلة إلى ما شاء الله.
* *
فالعلا، أو واحة العجائب في الجزيرة العربية كما أطلق عليها، بمدنها الحديثة والمعاصرة، أو بمواقعها الأثرية من الحجر، إلى جبالها وسهولها، وكل ما يرمز إلى قيمتها التاريخية، هي أحد الكنوز التراثية في الأرض، وإن ما يتم الآن من عمل وإنجازات إنما يتناسب كله مع هذه القيمة التاريخية، وما تتحدث عنه مواقعها الأثرية، وطبيعة أرضها، وجبالها وسهولها وشعابها، ومن المؤكد أن ما تم إنجازه ما كان ليتحقق لولا هذا الدعم السخي الذي يقدمه ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية للعلا، لتكون العلا بكل هذا البهاء والجمال الآسر.
* *
ستكون محافظة العلا عندما تكتمل المنشآت، وينتهي العمل في هذا المشروع الجبار، واحدة من أهم الوجهات السياحية في العالم، فالعلا تتمتع بمعالم قلّ أن يكون لها ما يماثلها، فضلاً عن موقعها، حيث ترتبط بمدينتين مهمتين، وهما: المدينة المنورة على بعد 300 كيلومتر إلى الجنوب، وتبوك على بعد 250 كيلومتراً إلى الشمال، دون أن ننسى خط سكة حديد الحجاز الذي كان يمر بالعلا في بداية القرن الماضي، ولا تزال بعض بقاياه موجودة إلى اليوم، ويعد إحدى المغريات لزيارة الحجر، والتعرّف على قصة هذا المشروع العملاق الذي وئد بعد الحرب العالمية.