فضل بن سعد البوعينين
لم تحظَ دولة على دعم مالي، اقتصادي، تنموي، وسياسي كما حظيت به لبنان من السعودية. عشرات المليارات من الدولارات ضُخت لإعادة الإعمار، وتنمية لبنان، وحماية نظامه المالي والنقدي من الانهيار.
الأمر عينه ينطبق على الدولة الفلسطينية التي حظيت، وما زالت تحظى بكامل الدعم السياسي والتمويل المالي السعودي، فأصبحت القضية الفلسطينية، قضيتها الأولى في جميع مباحثاتها الدولية، وهي الأكثر مطالبة بحقوق الفلسطينيين، والساعية لتعزيز مواقفهم وخدمة قضاياهم من خلال المؤتمرات الدولية، و القمم العربية والإسلامية التي تدعو إليها وتحتضنها المملكة. مواقفها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية عرضتها لكثير من المخاطر السياسية والأمنية، والالتزامات المالية دون أن يغير ذلك في مواقفها الثابتة.
لم تجنِ المملكة من ذلك الدعم السخي والمواقف المشرفة إلا الجحود والنكران، وعدائية متأصلة، وكراهية معلنة. عداء سافر نقلهم إلى الخندق الإيراني، وتنفيذ أجندتها التخريبية في المنطقة، ودعم أذرعها الإرهابية في اليمن، المسؤولة عن استهداف الأعيان السكنية والاقتصادية والنفطية في المملكة. وبالرغم من كل ذلك الجحود والنكران، والدعم والمشاركة في العمليات الإرهابية لم يخجل عملاء إيران في لبنان وفلسطين من مطالبة السعودية بتقديم المساعدات المالية لهم، وكأنها جمعية خيرية أنشئت لدعم فلسطين ولبنان، وإصلاح ما دمره النظام الإيراني في دولهم.
كرم المملكة، وحرصها على الدول العربية، وصبرها على أذاهم لتحقيق أمن واستقرار المنطقة، والمصالح العليا، جعلهم يعتقدون أنها على استعداد تام لتلبية طلبات الدعم والمساندة أو التجاوب مع حملات التسول والابتزاز، وغض الطرف عن جرائمهم الظاهرة، ومنها استهداف مدنها ومنشآتها النفطية وتقويض أمنها، وعمليات تهريب المخدرات الهادفة لإفساد الشباب وتدمير المجتمع.
تحولت منابر حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين إلى منابر للغيبة والنميمة، ونشر الكراهية، والتسول ومطالبة السعودية بضخ مئات المليارات لمعالجة مشكلات لبنان وفلسطين، وكأنهم شركاء في ثرواتها، أو أوصياء على نفقاتها المالية، وبرامجها التنموية.
لم يستوعب زعيم حزب الله، وعملاء إيران في لبنان وفلسطين وبعض الدول العربية التحول الشامل الذي يقوده سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ورؤيته الإستراتيجية ومشروعه النهضوي، وإعادة هيكلته المساعدات السعودية وربطها بالمصالح الوطنية. ما زالوا متقوقعين داخل سراديبهم المظلمة، ويمارسون أدوارهم المشبوهة، والتسول، ونشر الكراهية من منابر الفتنة وشيطنة المملكة ومحاولة التأثير السلبي على برامجها التنموية، ولا يخجلون من مطالبتها بوقف استثماراتها التنموية، وإعادة توجيهها لخدمة قضاياهم الفاشلة، ومعالجة مشكلاتهم التي صنعوها بأيديهم.
وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، وصف سمو ولي العهد في كتابه الجديد، بأنه رجل إصلاحي «سيثبت أنه أحد أهم قادة عصره، وشخصية تاريخية بحق على المسرح العالمي». إصلاحات سمو ولي العهد الشاملة تجاوزت الشأن المحلي، إلى الشؤون الخارجية، وعلاقات المملكة الدولية، ومساعداتها الخارجية التي باتت مرتبطة بالمصالح الوطنية، والإصلاحات في الدول المستهدفة. تلك الإصلاحات المهمة أصابت عملاء النظام الإيراني ومرتزقة حزب الله وحماس في مقتل، وقطعت عنهم المساعدات التي كانوا يسيئون استخدامها، وأخرجت ما في نفوسهم من حقد وكراهية، وفضحتهم على رؤوس الأشهاد.
السعودية أولاً، شعار أطلقه ولي العهد، والتزم بمضامينه المباركة التي أعادت هيكلة العلاقات الخارجية، والمساعدات السعودية، وفرضت واقعاً جديداً قائماً على المصالح الوطنية العليا، وآلية عمل رادعة لمرتزقة الأعراب، وعملاء إيران، والمتاجرين بالقضية الفلسطينية.
لم تعد لعبة الضغط الإعلامي، وتجييش الشارع، تؤتي ثمارها مع وعي الشعب السعودي الذي بات أكثر علماً ودراية بمخططاتهم القذرة، وحقدهم على وطنهم، وتبعيتهم للنظام الإيراني وعمالتهم لأعداء الأمة، ومتاجرتهم بالقضايا العربية. قضايا الوطن هي ما تهم السعوديين اليوم، وتنميته والوقف خلف قادته في إصلاحاتهم المباركة أولوية مصيرية لا تقبل الحياد، أو الإنشغال عنها بقضايا الآخرين الذين باعوا أوطانهم لأعداء الأمة. ستبقى السعودية رائدة العمل الخيري والإنساني إلا أن مساهماتها لن تكون متاحة لتجار الأزمات، وعملاء الأحزاب الإرهابية، وهو ما لم يستوعبه زعيم حزب الله، وتجار القضية الفلسطينية ومن دار في فلكهم من الأعراب.