أ.د.عثمان بن صالح العامر
ذكر ابن قيم الجوزية -رحمه الله- جملة من طبائع النفوس البشرية وربطها بالحيوانات بشكل غريب وعجيب، فقال: (فمنهم:
* من نفسه كلبية لو صادف جيفة تشبع ألف كلب وقع عليها وحماها من سائر الكلاب، ونبح كل كلب يدنو منها، فلا تقربها الكلاب إلا على كره منه وغلبه، ولا يسمح لكلب بشيء منها، همه شبع بطنه من أي طعام اتفق، ميتة أو مذكى، خبيث أو طيب، ولا يستحي من قبيح، إن يحمل عليه يلهث، وإن أطعمته بصبص بذنبه، ودار حولك ، وإن منعته هرك ونبحك.
* ومنهم من نفسه حمارية لم يخلق إلا للكد والعلف، كلما زيد في علفه زيد في كده، أبكم الحيوان وأقله بصيرة، ولهذا مثل الله عزَّ وجلَّ به من حمله كتابه فلم يحمله معرفة ولا فقهاً ولا عملاً، ومثل بالكلب عالم السوء الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها، وأخلد إلى الأرض، واتبع هواه، وفي هذين المثلين أسرار عظيمة.
* ومنهم من نفسه سبعية غضبية، همته العدوان على الناس، وقهرهم بما وصلت إليه قدرته، طبيعته تتقاضى ذلك كتقاضي طبيعة السبع لما يصدر منه.
* ومنهم من نفسه فأرية فاسق بطبعه، مفسد لما جاوره، تسبيحه بلسان الحال: سبحان من خلقه للفساد.
* ومنهم من نفسه على نفوس ذوات السموم والحمات كالحيَّة والعقارب وغيرهما، وهذا الضرب هو الذي يؤذي بعينه، فيدخل الرجل القبر، والجمل القدر، والعين وحدها لم تفعل شيئاً، وإنما النفس الخبيثة السمية تكيّفت بكيفية غضبية مع شدة حسد وإعجاب، وقابلت المعين على غرة منه وغفلة وهو أعزل من سلاحه فلدغته كالحيَّة التي تنظر إلى موضع مكشوف من بدن الإنسان فتنهشه، فإما عطب وإما أذى ...
* ومن الناس من طبعه طبع خنزير يمر بالطيبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه قمه، وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ، فلا يحفظها، ولا ينقلها، ولا تناسبه، فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته، وما يناسبها فجعلها فاكهته ونقله.
* ومنهم من هو على طبيعة الطاووس، ليس له إلا الطوس والتزيّن بالريش، وليس وراء ذلك من شيء.
* ومنهم من هو على طبيعة الجمل أحقد الحيوان، وأغلظه كبدا.
* ومنهم من هو على طبيعة الدب أبكم خبيث، وعلى طبيعة القرد.
* وأحمد طبائع الحيوانات طبائع الخيل التي هي أشرف الحيوانات نفوساً، وأكرمها طبعاً، وكذلك الغنم.
وكل من ألف ضرباً من ضروب هذه الحيوانات اكتسب من طبعه وخلقه، فإن تغذَّى بلحمه كان الشبه أقوى، فإن الغاذي شبه المتغذي، ولهذا حرم الله أكل لحوم السباع وجوارح الطير لما تورث آكلها من شبه نفوسها بها). أترك التعليق على ما ورد أعلاه من تشخيص وربط عجيب بين النفس البشرية والأخلاق الحيوانية للقارئ الكريم الذي جزماً سيستحضر طبائع بشرية مرت به يوماً ما ذات شبه كبير مع نوع من الحيوان، للأسف الشديد، رزقنا الله وإياكم حسن الخلق وجميل السجايا وإلى لقاء، والسلام.