عبد الله سليمان الطليان
تحرك النساء اليوم الاقتصاد العالمي، فعلى مستوى العالم، يبلغ ما تنفقه النساء 20 تريليون دولار من مجموع الإنفاق الاستهلاكي، ويمكن أن يرتفع هذا الرقم إلى 28 تريليوناً في السنوات الخمس المقبلة، كما سترتفع دخولهن السنوية من 13 تريليون دولار إلى 18 تريليوناً في الفترة نفسها, وبالمجموع تشكل النساء سوقاً متنامية تفوق بحجمها سوقي الصين والهند مجتمعين- بمقدار الضعف في الواقع وعلى ضوء هذه الأرقام، لا ينبغي تجاهل الاستهلاك النسائي أو التقليل من أهميته.
في دراسة ميدانية أجرتها إحدى المجموعات المتخصصة الأمريكية في عام 2008 حول نظرة النساء إلى عملهن وحياتهن الشخصية، ومدى تلبية القطاع الخاص لمتطلباتهن، وقد تبين أنه لا تزال ثمة فسحة كبيرة للتطوير والتحسين.
شاركت في الدراسة أكثر من 12 ألف سيدة من أكثر من أربعين منطقة جغرافية وفئات مختلفة من الدخل ومجالات الحياة. وقد أجبن بصراحة بالغة في أغلب الحالات عن 120 سؤالاً حول تحصيلهن الدراسي وأوضاعهن المالية، ومساكنهن ومقتنياتهن، وأعمالهن وحياتهن المهنية ونشاطاتهن واهتماماتهن، وعلاقاتهن وآمالهن ومخاوفهن بالإضافة إلى سلوكهن التسوقي وأنماط إنفاقهن في نحو ثلاثين فئة من المنتجات والخدمات.
خلص البحث إلى أن النساء يشعرن بأنهن لسن محل إهمال كبير في ما يقدم لهن من خدمات، إذ على الرغم مما حققته من قفزات لافتة في القوة السوقية والمركز الاجتماعي في القرن المنصرم، إلا أنهن لا يزلن يبخس قدرهن في أسواق السلع والخدمات، ويحصلن على أقل مما يستحققن في سوق العمل كما أن وقتهن تتنازعه متطلبات كثيرة وهن دائماً رهينات التشتت بين الأولويات المتضاربة العمل والمنزل والأسرة. قلة من المؤسسات استجابت لحاجتهن إلى حلول توفر وقتهن أو بطرح منتجات وخدمات مصممة خصيصاً لهن ولا يزال من الصعب على النساء العثور على الملابس أو شراء وجبة صحية، أو طلب المشورة المالية دون الشعور بأنهن تحت الوصاية الذكورية، أو استغلال الوقت للحفاظ على مظهرهن. ومع أن النساء يمسكن بزمام الإنفاق في معظم فئات سلع الاستهلاك إلا أن الكثير من الشركات المنتجة لهذه السلع تتجاهل هذه الحقيقة.
تقول الدراسة أيضاً لكل امرأة ظروفها الخاصة، ولكننا تحرينا الأنماط أو النزعات في نتائجنا تسنى لنا الوقوف على ستة نماذج أولية بين المشاركات في المسح الذي أجريناه، هذه الأنماط التي حددت أساساً بعوامل الدخل والعمر والمرحلة العمرية هي: حارقة المراحل والمثقلة بالضغوط ورائدة العلاقات العامة والأم التي طيرت فراخها، والمسؤولة عن نفسها، والمدبرة المقتصدة. قلائل من النساء ينتمين إلى نمط واحد يمكن أن يكون لهذا التصنيف نواقص ولكن هو مفيد في عملية تسويق المنتجات الموجهة إلى النساء، إذ أن معرفة الشرائح المستهدفة وما يهم النساء الحصول عليه في أسواق السلع والخدمات يمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة.
ومن الحكمة على المؤسسات عموماً أن تركز اهتمامها على عملائها من النساء، لكن المردود الأعظم يكمن في ستة قطاعات صناعية أربعة منها هي الأكثر احتمالاً، أن يزيد فيها إنفاق النساء أو أن يسعين إلى جودة أفضل في الغذاء واللياقة والجمال واللباس, وأن الغذاء يمثل أحد أعظم الفرص، إذ أن النساء مسؤولات عن حصة الأسد في التسوق من البقالات وإعداد الطعام كما أن الطعام أيضاً يحتل موقعاً مهماً بين عناصر ميزانية الاستهلاك، فهو عنصر يمكن زيادته أو تقليصه لكن لا يمكن الاستغناء عنه.
يبشر قطاع اللياقة الجسدية أيضاً بفرصة تجارية كبيرة. ففي الولايات المتحدة وحدها ما يفوق سوق أطعمة الحمية ينمو بمعدل ما بين 6 في المائة و9 في المائة سنوياً، وتبلغ قيمته الإجمالية حوالي 10 مليارات دولار، أما السوق العالمية فتصل قيمتها إلى حوالي 20 مليار دولار ويدر قطاع النوادي الصحية في الولايات المتحدة حوالي 14 مليار دولار سنوياً.
وصف ثلثا المشاركات في الدراسة المسحية أنفسهن بأنهن زائدات الوزن، وما كان إلى فترة قريبة شأناً أمريكياً بات الآن ظاهرة عالمية، لكن في وقت تؤكد فيه النساء أن اللياقة هي أولوية بالنسبة لهن إلا أن اللياقة تميل في الواقع إلى احتلال مرتبة متأخرة على سلم أولوياتهن الأزواج والأولاد والآباء وهن أنفسهن وعندما طلب منهن توزيع أولوياتهن أوردت جميع النساء تقريباً متطلباتهن الشخصية في المرتبة الثانية أو الثالثة ما يعني أنهن يجدن مشقة في تخصيص الزمن اللازم لممارسة الرياضة.
تستحضر منتجات وخدمات التجميل معنى من الكينونة العاطفية في النساء. وقد شعرت أولئك اللواتي تحدثنا إليهن وأنفقن قدراً أكبر من دخولهن على ساعات طويلة. مستحضرات التجميل بأنهن أكثر رضاً ونجاحاً وقوة؛ كما تحدثن عن مستويات أقل من الضغط والإجهاد حتى مع العمل، لكن مع ذلك تشعر النساء بعدم الرضا عن منتجات التجميل، كما أن الطريق التي تنتهجها الصناعة في تطورها تجعلهن يمسكن عن إنفاق ما يفترض بهن إنفاقه. من أحد الأسباب، وجود خيارات كثيرة؛ وهي صناعة يهيمن عليها الرجال، حيث يخمن الرجال (وقد يصيبون أو يخطئون) ما تريده النساء، لذلك نرى أن المنتجات تظهر وتختفي بوقع سريع. وتتحمس النساء للعمل في هذا القطاع.
أخيراً تنصح الدراسة بأنه إذا كانت المؤسسات التي تسعى للحصول على الفرص التجارية في مجال اقتصاد النساء فعليها بالاهتمام الاجتماعي للنساء وتوفير المنتجات التي تناسب متطلباتهن بصورة كاملة بدون مواربة أو غير حقيقية.
ملاحظة: (نذكر أن الدراسة والبحث تمت في عام 2008) وتمت بتصرف واختيار.