ما من مجتمع يسعى إلى جودة الحياة واستتباب الأمن وتوفير الرخاء في معيشة أفراده والطمأنينة على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وضمان حرياتهم وتحصيل حقوقهم والألفة بينهم وإتاحة الفرص لكل مستحق منهم، إلا وكان العدل أول ركيزة تقوم عليها هذه المقاصد النبيلة التي لا تطيب الحياة بدونها ولا يستقر مجتمع فقدها. وأول أعمدة العدل وأهمها التي لا يسبقها غيرها اجتماع الناس على قيادة تدير شؤونهم وتعنى برعايتهم وتنظم علاقاتهم وتضمن حقوقهم وتفرض واجباتهم وكما قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
ولهذا عنيت الشريعة أشد العناية بموضوع البيعة الشرعية والضرورة القصوى في المحافظة عليها وأداء متطلباتها من السمع والطاعة والإخلاص والنصح والإيثار.
ثم يأتي العدل ليكون أولى مايبذل فيه الحاكم جهده إقرارًا وبسطاً وحماية لجنابه.
فكان هذا المطلب أول مايعنى به الحاكم الموفق ويدين له مجتمعه سمعاً وطاعة ومحبة كلما أحكمت جوانبه.
أتذكر أني شرفت بالمثول بين يدي خادم الحرمين الشريفين عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض وكنت حينها مديراً لدار الملاحظة وعرضت عليه موضوعاً يخص قضية لأحد الأحداث طال انتظار البت فيها من المحكمة وكان لفضيلة القاضي رأي يستند على فتوى سابقة لمفتي عام المملكة يمكن أن يسرع إصدار الحكم فقال لي القاضي لو عرضت الأمر على سمو الأمير ليوجهنا بالعمل بموجب هذه الفتوى وحين طرحت الفكرة على سموه تعجب قائلاً أنا القاضي أم هو؟ أنا لا أقوم بدور القضاة هم يصدرون أحكامهم ونحن نفرض تنفيذها ولا نتدخل في نظرهم للقضايا.. وكلنا استمعنا لصاحب السمو الملكي ولي العهد حين تحدث عن محاربة الفساد بأن العدالة لن تجامل أحدًا كائناً من كان وحين يكون أمر الدولة مسنداً لمن يرون في العدالة أساس الحكم فلا غرابة أن ينعم المجتمع بالطمأنينة والأمن والأمان.
وفي المجتمعات المعاصرة وفي كل دولة من الدول الحديثة تكون وزارة العدل في طليعة اهتمامات القيادة وعنايتها وتوفير متطلبات قيامها بما أنيط بها من مهام وما يؤمل من منسوبيها من محافظة على المنظومة العدلية والسعي الحثيث على تطويرها والرقي بها وبسط عنايتها بالأفراد والجماعات والمجتمع بأسره. وقد وجدت ولله الحمد هذه الوزارة مايليق بها من اهتمام وعناية من لدن قادة هذه البلاد منذ أرسيت قواعد الحكم الرشيد ولا زالت بفضل الله ثم دعم القيادة تحظى بكل ما يؤصل العدالة ويحمي من الظلم بكافة أشكاله وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله، وبمساندة ومتابعة حكيمة واعية من لدن صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين رئيس مجلس الوزارء، حظيت وزارة العدل في المملكة بما أتاح لها أن تحقق قفزات عدلية فائقة الجودة أضفت على الحياة الاجتماعية في بلادنا مزيداً من الطمأنينة في حياة الناس ومزيداً من التيسير في الأنظمة التي تلزمهم ليعرفوا حقوقهم وينالوها وتتضح لهم واجباتهم فيؤدوها فصدرت العديد من الأنظمة الجديدة التي تعزز حقوق الأفراد وعنيت أشد العناية بحقوق المرأة والطفل وكل محتاج إلى المساندة العدلية وحفظت حقوق كل من ناله تجاوز من غيره وأحاطت مصالح الناس ومنافعهم بسياج قانوني بين المعالم والحمى لا يقع فيه إلاَّ مخالف عن قصد فيناله الجزاء الرادع له ولأمثاله وسايرت هذه الأنظمة المرعية ما استجد في حياة الأفراد والدول واستنبطت من شريعتنا السمحاء مايناسبها من أطر وأحكام تدفع التعدي وتضمن الحقوق وتبسط العدل.
ولاتساع رقعة الوطن وترامي أطرافه وتعدد القضايا المنظورة أو المصالح التي يلزمها متابعة من الأطراف المعنية بها ولتحقيق مزيد من التنسيق بين الجهات العدلية والأخرى التي تدعم أعمالها عمدت الوزارة بدعم من القيادة إلى التحول الرقمي في أعمال الوزارة وأذرعها المختلفة ليتاح لكل محتاج إلى خدماتها سرعة الوصول إلى مايلزمه من معلومات وإنجاز مايحتاج من خدمات كما تضمن أعلى درجات التنسيق بين الجهات المعنية بتنظيم ضوابط العدل وإصدار أحكامه وتنفيذ ماتقضي به. كما سعت إلى تحديث مايتبعها من أفرع واستحداث مايلبي ما استجد من متطلبات العدالة بشكل نموذجي حديث واتخذت سبيل التقنية الحديثة في كثير من الإجراءات التي كانت فيما سبق تصحب بتعقيدات في إنجازها إجراءً وزمناً فتبدل الحال إلى التيسير وتحققت المرونة في الإنجاز فتضاعفت أرقام المعاملات المنجزة والقضايا إلى أضعاف كثيرة مع تحقيق جودة أعلى ونظمت أعمال من يتصل بتحقيق مهامها مثل المحامين والموثقين فضلاً عن القضاة وكتاب العدل ومأذوني الأنكحة وأزالت العديد من أوجه الخلل التي كانت تفضي إلى خلافات ثم تقاضٍ مع التعريف بها وبعقوباتها نتج عنه انخفاض معدل الخلافات التي توجب التقاضي كذلك أولت عناية كبرى بتشكيل مراكز الصلح التي أثمرت نتائج طيبة في تخلي المتخاصمين عن سبب خصومتهم وترجيح مصلحة التوافق على حل يرضي الجميع وتعاملت مع مايطرح في المؤسسات الدولية بما يوافق الشريعة أو يخالفها وفق مايناسب ثوابت الوطن ومدت يد التعاون الدولي للانتفاع بكل جديد عند الآخرين والتعريف بما نتميز به من ضوابط عدلية وقواعد شرعية تحقق هذا المطلب الأساس في حياة الناس ولأهمية العنصر البشري سعت الوزارة لاستقطاب الكفاءات المميزة وعدلت عن الاقتصار على تخصصات بعينها، ولأهمية دور العنصر النسائي في إنجاز مهام تتحقق بوجودهن بشكل أسلم فتحت أبواب مشاركة العنصر النسائي للمتميزات في المجالات التي تحقق هذا المقصد ولذا فلا غرابة أن تحصل هذه الوزارة على الأولوية في بعض منافساتها مع بقية القطاعات الحكومية فهي الأولى رقمياً ويسعى القائمون عليها لتحقيق مزيد من تطلعات القيادة المتوافقة مع الدعم الكبير الذي تحظى به هذه الوزارة وكافة القطاعات الحكومية الأخرى. وماهذا العرض الموجز والتناول الملخص إلاَّ ضوء خافت مما ينجز في هذا القطاع. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين ووفق القائمينلى هذا الجهاز بالغ الأهمية عظيم النفع. وعلى رأسهم معالي الوزير الشيخ الدكتور وليد الصمعاني.
** **
Mom9329@hotmail.com
@MansorALomary