د.عبدالله بن موسى الطاير
شاهدت النسخة الثانية من الفيلم الهوليودي أفتار، تلك القصة الهجينية بين البشر والكائنات المستنسخة، وضروب من الأسلحة التقليدية والمتخيلة. قبل هذا الفيلم خرجت لنا أفلام كثيرة تمجد القوة الغربية وتعظم الجيش وأجهزة التجسس والجندي المدجج بأنواع من الأسلحة لتصنع في مجملها قوة ضاربة لا تقهر. وإلى جانب القوة الخشنة التي تم سكبها سكباً في وعي المتلقين في الشرق والغرب، كانت مكنات الاتصال الأخرى تقدم الغرب في أزهى صوره من حيث أنها بلدان الأحلام والفرص والرفاه وحقوق الإنسان والعدالة والتعايش بين الأعراق.
قبل أفتار بساعات كنت أقرأ تقريراً في صحيفة The Intercept عن استخدام البنتاغون شبكة تويتر تحديداً للتحكم في الرأي العام العربي لإشاعة الخوف من القوة المفرطة التي لا تهزم من جانب، وفي تضخيم خطر داعش، وتصوير أمريكا أنها قوة الخير المنقذة من هذا الشر المحدق.
الصورة الذهنية التي صنعتها هوليود للجيش الذي لا يهزم، وتلك التي صنعها الإعلام الجماهيري لقوة الخير المطلق تتعرض اليوم لاختبار حقيقي بسبب شبكات التواصل الاجتماعي التي تنقل إلى حد كبير الحدث كما هو ليظهر لنا عوار الصور المزيفة، والسعي إلى استخدام تلك الشبكات لشن حروب معلوماتية مضادة، للمحافظة على سمعتها في العالم، تلك السمعة التي جعلت دول الغرب تنتصر بالخوف أكثر من انتصارها في الحروب الميدانية المباشرة.
التحدي الذي يواجه السيطرة على العقول ينشأ من قدرة المتلقين بجميع اللغات تقريباً على عقد مقارنات بين المتخيل والواقع، فالأسلحة التي لا يحيط بها الوصف لم تحسم معارك ضد الإرهاب ولا ضد روسيا وقد اجتمعت ترسانة الغرب خلف أوكرانيا، ولم تتمكن تلك القوة من إخضاع طالبان بعد عشرين عاماً، ولم تجعل وضع العراق أفضل منذ عام 2003م، ولم تستطِع أن تضع حداً لدول مارقة مثل كوريا الشمالية أو إيران، ما جعل الصورة الذهنية تتأرجح ما بين مصدق أنها قوة لا تقهر وبين متشكك في قدرتها على الحسم الميداني، أو على أقل تقدير أنها تحافظ عمداً على عدم تصفير عداواتها لأنها تبقي قوتها على أهبة الاستعداد، وتفتح خزائن أصدقائها المالية لمصانع السلاح والحماية.
لا أزعم ولا أجرؤ كغيري على مصادرة القوة والنفوذ الغربي، فالغرب يمثل أكبر اقتصاد في العالم، وأدوية العالم ووسائل نقله وتقنياته ورفاهيته واتصالاته تأتي منه في مجملها. وهو لم يزل قبلة الهجرة والعلوم والتقدم. ومع ذلك فإن الغرب يواجه تحديات تحول بينه وبين الوصاية في مجال حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والتعايش، وتعطل قدرته على إعطاء الدروس في هذه المجالات. الغرب وإن كان قادراً على فرض أجندته على بعض الحكومات فإنه يواجه أسئلة متشككة على مستوى الرأي العام العالمي الذي يسمع ويرى خارج ما تريده له المكنة الغربية.
وكما أن شبكات التواصل الاجتماعي وإعلام المواطن الذي اخترعته أمريكا وهيأت له الوسائل أصبح يمثل تحدياً للغرب في الداخل والخارج، فإنه مثل لدول مثل المملكة فرصاً مهولة في إحداث اختراق في تغيير الصور النمطية التي ظلت لوقت طويل مرتهنة للصور النمطية الظالمة.
معتقدات الناس في المملكة لم تتغير، ولكن أفكارهم تغيرت في حكمها على الظواهر والمظاهر، وتبعاً لذلك تغيرت انطباعاتنا عن أنفسنا وكيف استطعنا اعتناق التغيير دون مقاومة، والترحيب بأنماط الحياة التي تسري في شرايين الأمم دون أن يهدد ذلك المعتقدات، والثوابت الدينية، والثقافية، والاجتماعية. الحراك الاجتماعي، والتغيير الحاصل في نسق الحياة اليومية، وانفتاح المملكة على الدول الأخرى عن طريق تيسير تأشيرات الدخول، وإعادة اكتشاف إمكانات هذه البلاد التاريخية والحضارية والاقتصادية والسياحية وتهيئتها للمواطنين وغيرهم أعاد تعريف المملكة.
ومن حسن الحظ أن التغييرات الحقيقية التي يعيشها المواطن السعودي وجدت فرصتها لتعبر الحدود عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ودون أن يمارس حراس البوابة في الغرب نفوذهم لقمعها والحيلولة بينها وبين الوصول إلى الرأي العام الغربي كما حدث طيلة عقود من هيمنة الإعلام الجماهيري.
إن شبكات التواصل الاجتماعي لا ريب تمثل تحديات وفرصاً حقيقية للصور النمطية الإيجابية والسلبية على حدٍّ سواء، فهي تمثل تحدياً لما رسخ في الأذهان عن الغرب، وفرصاً للشرق في الوصول إلى الرأي العام بدون قيود.