العقيد م. محمد بن فراج الشهري
نعم الماسونية هي أم الخبائث بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وهي وراء الانفجار الجنسي في القرن العشرين والواحد والعشرين, ومصائب العالم الاجتماعية, والدينية, والإنسانية, والتربوية, تقف الماسونية في وجه صلاحها واستدامة صلاحها ورقيها.. نعم هي هكذا الماسونية و(الإنسانوية) الغربية التي تجمل وجهها بشعارات الرحمة, والإخاء, والحب, والتي تتهم الدين بالعنصرية والتزمُّت, والعنف, بينما هي تسن لنفسها دينًا لا يرى إلا لونًا واحدًا ولا يعرف من الإنسانية إلا عرقًا واحدًا, دين يصيح رواده لأجل (قوس قزح) وأهله الشواذ, بينما لا يرى البشرة السمراء المنهوبة جسدًا وأرضًا, ومالًا, على يد محتل ومستعمر غاشم, دينًا يزأر لمعاداة السامية, ولا يطرف جفنه لما اقترف بفلسطين وغيرها.. إنه دين الإنسانية الأعوج الذي يدعون لاعتناقه قبل اعتناق الأديان, إنها (الإنسانوية) التي تشيح عنا بوجهها المشوه بالإلحاد وإنكار الخالق, والعنصرية, والبغاء, ثم تخرج علينا بوجه تكسوه المساحيق (الماسونية) لتعلمنا الأخلاق, وهي من أفسد الأمم وتسعى لخرابها, ودمارها, والقضاء على الجنس البشري بطرائق متعددة, أصبحت اليوم واضحة أكثر مما مضى وفي هذه المقالة الموجزة أطرح لكم بعض ما قاله علماء وفلاسفة الغرب حول هذا الأمر واعترافاتهم على عفن تلك البضاعة التي تروج لها (الماسونية) في محاولة لزرعها في كل مكان وتشويه العالم والجنس البشري, وتغيير الفطرة التي فطرنا الله عليها منذ خلق آدم وحتى اليوم. وفي البداية هذا ما قاله (الان تورين في كتابه: نقد الحداثة) يقول: «لا يوجد إنسان حي في الغرب في نهاية القرن العشرين ينجو من القلق أمام فقدان كل معنى، وأمام غزو الحياة الخاصة، وغزو القدرة على الوجود كذات بواسطة الدعاية والإعلان، وبتدهور المجتمع إلى مستوى الجمهرة، والحب إلى مستوى اللذة».
ولنعد للثورة الجنسية والصناعة الماسونية في تاريخ موجز.. فبماذا عسانا أن نصف هذه الموجة الجنسية، فقد صار التَّفلُّت بديلاً عن الانضباط، والشذوذ بديلاً عن الاستقامة، والعُري بديلاً عن التستر، والفجور بديلاً عن العفاف، والإباحية بديلاً عن الاحتشام، والانحلال بديلاً عن الفضيلة، والدعارة بديلاً عن الطهارة، والعهر بديلاً عن العفة.
تريد الماسونية للإنسان أن يعيش الحاضر دون اكتراث أو مبالاة بالماضي والمستقبل، وأن تراه لم يعد يرغب بحياة تنضبط بالقيم والأخلاق.
هُجِرت في الغرب المؤسسات الاجتماعية وتفجرت الرغبات والشهوات في سياقات مفتوحة وشاذة. صار الحسن قبيحًا، والقبيح حسنًا، والنفاق ذكاءً اجتماعيًّا، والشذوذ طبيعة بشرية، والفسق والمجون علامتين على الأنوثة والرجولة.
الثورة الجنسية: (في تاريخ موجز)
بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة في الستينيات من القرن العشرين، حدثت تحولات جذرية في المجتمعات الغربية كان منها الثورات الثقافية والحركات الطلابية والعمالية، وسرت موجة جديدة من الفردانية والليبرالية المتطرفة في رفضها للتقاليد والقيم الاجتماعية والأخلاقية السائدة، وظهر في المجتمعات ما وصفه المحافظون بالانحلال الأخلاقي والديني والاجتماعي.
منذ ذلك الحين ليس هناك ظاهرة ساهمت في إعادة تشكيل سلوك البشرية والعلاقات الاجتماعية وكتابة حياة الإنسان من جديد في الغرب مثل الثورة الجنسية. انتهى لديهم توقع بقاء الفتاة عذراء حتى الزواج، ولم تعد النساء اللاتي حملن خلال علاقة جنسية عابرة ملزمات بالزواج، أو بالإجهاض، أو بالتخلي عن أطفالهن للتبني، ولم يعد بقاؤهن إلى الأبد وصمة عار كأمهات غير متزوجات كما كُنَّ، لقد أصبحن مستقلات جنسيًّا، ويتصرفن بناءً على هذا الاستقلال.
ولم يعد الأطفال المولدون خارج إطار الزواج مصدر قلق اجتماعي، بل ويُشكلون اليوم الأغلبية في بعض البلدان مثل السويد. وعلى صعيد آخر.. فقد وضعت الثورة الجنسية حدًّا لأفكار المثلية الجنسية كخطيئة أو جريمة أو مرض، وفتحت الباب على مصراعيه أمام الحركة النسوية وأيديولوجيا الجندر. والتحول الجنسي، كما تحولت العادة السرية من ممارسة محظورة ومشكلة طبية إلى عادة طبيعية، وتم الترويج لها في الغرب كممارسة للتعلم الجنسي.
مرت بالإنسانية خلال القرنين الأخيرين الكثير من الثورات، بَيد أن أضخمها أثرًا وأطولها بقاءً هي على الأرجح الثورة الجنسية التي قامت في الغرب في ستينيات القرن الماضي. بدأ الجنس لفترة من الوقت، وكأنه أصبح البديل الأول للدين، يبشرون بالحرية الجنسية، بمعنى التحرر من الكوابح مفردة كانت أو كُلية.
استخدم مفهوم الثورة الجنسية لأول مرة من قبل المحلل النفسي (أوتو جروس Otto Gross) قبل الحرب العالمية الأولى، وفيما بعد أصبح (فيلهلم رايش Wilhem Reich) صاحب كتاب الثورة الجنسية المنظر الرئيسي لها. فقد جمع (رايش) بين نظريات (ماركس وفرويد) ورأى أن التحرر الجنسي يجب أن يتماشى مع التحرر الاجتماعي أو على الأقل أن يكون جزءًا منه.
بدأ التحرر الجنسي والاجتماعي يأخذ مجراه في منتصف الستينيات حيث حدثت سلسلة من الأحداث والتغيرات التي خلقت وجهات نظر وأفكاراً وممارسات جديدة فيما يتعلق بالجنس والزواج والأسرة والحياة، وأدخلت طوفانًا من النصوص والصور والفيديوهات الجنسية إلى الحياة العامة. تزامنًا مع تلك الأحداث.. بدأت نقاشات حول الإجهاض في السويد تأخذ حيزًا أكبر من الاهتمام، وفي هولندا دعت حركة (بروفوس Provos) إلى الاختلام الجنسي وشجَّعت عليه عام (1965م)، وبعدها بعامين تدفق الآلاف من جماعة (الهيبز) إلى حديقة البوابة الذهبية في سان فرانسيسكو فيما عُرف لاحقًا باسم صيف الحب، أما نهاية العقد كانت لانتفاضة (ستونوول Stonewall) عام 1969م حين داهمت الشركة حانة للمثليين في نيويورك للقبض عليهم، تحولت المداهمة إلى أعمال شغب بين الشرطة وأنصار مجتمع الميم لتكون الشرارة التي أشعلت حراك المثليين وتحركهم الجماعي.
ظهرت في تلك الفترة أيضًا حبوب منع الحمل وشاع تداولها بين النساء العازبات. تفجرت ثورات الطلاب في فرنسا والولايات المتحدة والعديد من بلدان العالم.
حينها بدأت متاجر الجنس بالانتشار؛ أصبحت الدُمى والبضائع الجنسية والمجلات الإباحية تُباع لديهم علنًا، كما ظهرت في دولهم نوادي التعري إلى السطح بعد أن كانت في الخفاء، ومارس الراقصون والراقصات العراة مهنتهم دون خوف أو حياء، وتغلغلت الإباحية في المجتمع الغربي وتفشت العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.
ارتدت الفتيات التنانير والثياب القصيرة، وأصبحت الملابس تكشف أجزاءً أكبر من الجسد، وبدأت المسارح ودور السينما بعرض أفلام تحتوي على مشاهد جنسية فاضحة بعد أن كانت السلطات تحظر عرض مثل هذه الأفلام، وتحرَّرت المواد الإباحية من الحظر وتحولت إلى مهنة وصناعة ضخمة تدرُّ أرباحًا بملايين الدولارات.
أصبحت العادة السرية، والجنس ما قبل الزواج، وتبادل الزوجات، والجنس الجماعي، والجنس المثلي، ومشاهد العري، والدعارة، وتجارة ومشاهدة الإباحية، أصبحت كلها مقبولة لديهم، وتتكرَّر كموضوعات رئيسية خلال تبادل الحديث، كما تجتذب الإعلام.
ظهور العري على أغلفة المجلات وفي الأفلام والمسلسلات والدعايات أصبح متواصل التكرار وشائعًا جدًّا، وصار من شبه المستحيل بيع أي شيء بدون رموز للجنس في الإعلان عنه، كما يقول المفكر الألماني مراد هوفمان.
ارتفعت وتيرة الثورة خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وتعد سنة (1973م) علامة من علامات الطريق، حيث إنه في هذه السنة تم اتخاذ قرارين أسهما كثيرًا في تعزيز الثورة الجنسية، وهما: قرار المحكمة العليا الأمريكية بإباحة الإجهاض، وقرار الجمعية الأمريكية للطب النفسي برفع الجنسية المثلية من الدليل التشخيصي والأحصائي للأمراض النفسية.
إن العيش بحرية من دون قيود، واختيار الإنسان لنمط حياته من الألف إلى الياء يمثل أكثر الأحداث الاجتماعية والثقافية أهمية في زمن هذا الانحطاط وقد أصبح حقًا مشروعًا في أعينهم مع الأسف الشديد كما يشرح ذلك عالم الاجتماع الفرنسي (جيل ليبوفيتسكي Gilles Lipovetsky) في كتابه عصر الفراغ.
إذًا هذا هو الغرب وهذه بضاعته التي يريد الترويج لها عن طريق المؤامرة (الماسونية) التي لا تهدد الغرب والشرق فحسب بل العالم كله, إنها دعوة شاملة للإنحلال الكلي وليس الجزئي, فعسى الله أن يخيب مساعيهم ويرد كيدهم في نحورهم, ويحمي أوطان الإسلام والمسلمين من هذا الشر المستطير الذي يدمر الأمم وأخلاقها إنه القادر على ذلك سبحانه وبالمؤمنين رحيم.