د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
احتلّت الرياضة السعودية أولوية متميزة في «رؤية» المملكة 2030، كما تبوّأت موقعاً بارزاً بين المجالات التي اتجهت إليها أنظار الدولة، وحكومة خادم الحرمين الشريفين، حيث تستهدف المملكة من «مشروعها» الطموح في الرياضة، دوراً رائداً ومكاناً واضحاً على خريطة الرياضة «العالمية»، والمنافسة في جميع الألعاب والمسابقات، خصوصاً في الألعاب التي حققت فيها المملكة تفوقاً ملموساً وتقديراً عربياً وآسيوياً ودوليّاً.
والجدير بالإشارة في هذا الإطار، أن المملكة تسعى إلى دفع المشروع السعودي الرياضي الطموح والضخم، بأهداف عدة أبرزها، تنشيط السياحة، وحجم الإنفاق المحلي، وتنويع مصادر الدخل الوطني، وتوسيع القاعدة الاقتصادية للبلاد، إذ تُعَدُّ الرياضة السعودية استثماراً اقتصادياً واعداً، يفتح الكثير من الأبواب أمام موارد جديدة، يمكنُ أن تضخّ في شرايين الاقتصاد الوطني، دماءً جديدة تَمدُّهُ بمزيد من الانتعاش والعافية.
وإضافة إلى ذلك فإن تنظيم المسابقات والبطولات وانعقاد المحافل الرياضية على الأرض السعودية، يؤدي دوراً كبيراً في رفع الروح المعنوية للشباب السعودي، فضلاً عن إسهام هذه البطولات والمسابقات في تكوين الشخصية المتوازنة إنسانياً ونفسياً واجتماعياً، وتنمية الأخلاق الرياضية وترسيخها في تكوين الشباب، فهي تزرع في الشباب روح المبادرة والمسارعة إلى البذل والعطاء، كما تدفع بالشباب إلى الاجتهاد، وفي المحصّلة النهائية، فإن تحقيق كل هذه الأهداف يقدم للسعودية صورة حضارية مرموقة ومتميزة، بين دول العالم وشعوبه.
ويستطيع المراقب، بقراءة واعية لرؤية المملكة، أن يدرك أن ما حدث من تطور ونمو وتقدم على صعيد الرياضة السعودية في الأعوام الأخيرة، إذ انطلقت الرياضة السعودية إلى آفاق أرحب وأوسع في إطار الرؤية.كما يستطيع المراقب أن يتفهم ذلك بعمق، من خلال قراءة واعية لبرنامج جودة الحياة، أحد برامج تحقيق الرؤية، الذي يدعم التأهيل والتدريب للكوادر الوطنية في القطاعات المرتبطة بجودة الحياة، ومنها القطاع الرياضي.
وتؤكد «الرؤية» على ذلك بقولها «نعلم جميعاً أن النمط الصحّي والمتوازن يعتبر من أهم مقوّمات جودة الحياة، غير أن الفرص المتاحة حالياً لممارسة النشاط الرياضي بانتظام لا ترتقي إلى تطلعاتنا، ولذلك، سنقيم المزيد من المرافق والمنشآت الرياضية بالشراكة مع القطاع الخاص، وسيكون بمقدور الجميع ممارسة رياضاتهم المفضلة في بيئة مثالية، وسنشجع الرياضات بأنواعها من أجل تحقيق تميزٍ رياضي على الصعيدين المحلّي والعالمي، والوصول إلى مراتب عالمية متقدمة في عدد منها».
وتعكس هذه النظرة التي تضمنتها الرؤية، عشرات الخطط والبرامج والمبادرات والمشاريع الخاصة بتنمية وتطوير الرياضة، كما تعكسُ حجم الاهتمام ومدى العناية والرعاية اللتين توليهما الدولة للرياضة، التي أصبحت ركناً أساسياً من أركان بناء واكتمال صحة وسلامة المجتمع البدنية والنفسية والاجتماعية، بل والتنموية أيضاً، بقدر ما أصبحت صناعة كبيرة تعتمد على استثمار المليارات، وبقدر ما أصبحت عاملاً مؤثراً في تشكيل نمط الحياة الصحية والاجتماعية والإنسانية، بل والأخلاقية للمجتمعات المعاصرة.
وإذا كانت الرياضة تشكل هذا الحجم من الأهمية، في البناء البدني والتكوين النفسي للمواطن، فقد اتفق أكثرُ الخبراء والنقاد الرياضيين والمراقبين على أهمية الرياضة السعودية، باعتبارها من «أبرز أدوات الدبلوماسية الناعمة» التي أصبحت تعتمدها السعودية «الشابّة» في عهدها الجديد.
وبمتابعة «أمينة» لما شهدته المملكة على الصعيد «الرياضي» في الأعوام الأخيرة، وبرصد للأفعال وردود الأفعال، أو «رجع الصدى» بلغة إعلامية أكثر دقّة، فقد أثبتت «الدبلوماسية الرياضية السعودية» إن جاز هذا التعبير، بأنها «أحد أهم مصادر القوة الناعمة للمملكة» بجانب مصادر القوى الناعمة الأخرى، لتؤكد المملكة يوماً بعد يوم، بأنها تسير بخطى واثقة وطموحة، ووفق سياسة حكيمة، تفرض على الجميع الوقوف أمامها احتراماً وتقديراً.
لقد حققت الرياضة السعودية في السنوات الاخيرة نجاحاً كبيراً في مجال «الدبلوماسية الشعبية» وفيما يتصل بالدبلوماسية بشكل عام وعلى نحو ملحوظ، كأداة على قدر بالغ من الأهمية بين «أدوات الدبلوماسية الناعمة»، إذ أضافت «للصورة الذهنية» حول الشخصية السعودية إضافات نوعية مهمة، جعلت الشخصية السعودية محل التقدير والإعجاب، وعلى نحو فاق توقعات أكثر المتفائلين من الخبراء والمراقبين، والمعنيين بتفعيل أدوات الدبلوماسية الناعمة ورصد تفاعلاتها.
وفي إطار الصعود المستمر لاسم المملكة ورايتها في كافة مجالات الرياضة العالمية، وانتشارها بامتداد «خريطة» الألعاب والمسابقات الرياضية الدولية، وارتفاع أسهمها «اسماً وراية» في كافة الساحات والمحافل الرياضية العالمية، لاحظ المراقبون، كيف تصدّر اسم المملكة العربية السعودية في أكتوبر 2021، الصفحات «الأولى» من كبريات الصحف العالمية، وكيف مثّلَ اسمُ المملكة «قوة جاذبة» لكل من يتفاعل مع وسائل التواصل، وسيطرته على محركات البحث العالمية، ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وذلك في أعقاب إعلان صندوق الاستثمارات العامة عن «صفقة الاستحواذ على نادي نيوكاسل» الشهير شمالي إنجلترا.
ولاحظنا، وكما لاحظ المراقبون، أن وسائل الإعلام العالمية، تتصدرها قنوات التليفزيون العالمية واسعة الانتشار، خصّصَت مساحات زمنية كبيرة من برامجها الرياضية، التي تحظى بنسب مشاهدة عالية، لمناقشة أبعاد الصفقة وما وراءها، وأسبابها وعوائدها الاستثمارية، والرياضية والاقتصادية، وموقعها من صعود المملكة رياضياً، وتأثيرها على موقع المملكة وصورتها «الذهنية» في الساحة الرياضية العالمية.
وإضافة لذلك، كيف استعرضت أشهر برامج الرياضة في «الميديا» العالمية، بدايات ومراحل صعود اسم المملكة «رياضياً» في السنوات الأخيرة، والقفزات الكبرى والمتتالية للتنافس السعودي وصولاً إلى أشهر تصفيات المسابقات الدولية، إضافة إلى المنافسة على المراكز «الأولى» في الكثير من المسابقات والبطولات العالمية، وهو ما يقدم «صورة» ذهنية و «نموذجاً» جديدا للشخصية السعودية والمواطن السعودي في المشهد الدولي، صورة ونموذجاً يؤكدان النجاح الذي حققته وتحققه المملكة على كافة الأصعدة، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وفنياً وأدبياً ورياضياً، إضافة إلى ما تشهده السعودية ويشهده العالم على أرضها من إنجازات في مختلف المجالات، خصوصاً في التعليم والاقتصاد والصحة والسياحة والزراعة والثقافة وغيرها، من مجالات البناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة.
ولا يختلف اثنان، على أن الرعاية التي حظيت بها الرياضة السعودية في الأعوام الأخيرة، تصب في دعم الاقتصاد الوطني، وإلى تحسين صورة السعودية «الشابّة والجديدة» في عيون العالم، الذي أصبح شغوفاً بمتابعة ما يجري على أرض المملكة، من تطورات على كافة الأصعدة.
ويرى كثير من المراقبين، بأن التوجّه السعودي في الساحة العالمية للرياضة، لا يقتصر فقط على تحقيق أهداف تتعلق بالصورة الخارجية، بل يستجيب لإرادة داخلية، سعت وتسعى على المدى الطويل، إلى بناء وتكوين رياضيين قادرين على المنافسة على المستوى الدولي، ما يندرج ضمن الرؤية بكل وضوح.
ونختم بالقول، بأن الدعم والاهتمام الذي يحظى به القطاع الرياضي في بلادنا اليوم، سيؤدي دون أدنى شك، إلى تطوير كل مكونات القطاع الرياضي، ومن أبرزها وسائل الإعلام والنقل التلفزيوني، وإدارة الفعاليات، وتطوير رأس المال البشري في اللجان والاتحادات الإقليمية والعالمية، في ظل وجود «إدارة رياضية شابة، مؤهلة وشغوفة» تحظى بدعم لامحدود من القيادة السعودية.