صدر هذا الكتاب عام 2022م عن دار النشر الفرنسية فايار في حوالي 400 صفحة، يكشف بالتفاصيل التجاوزات الخطيرة التي ارتكبتها مؤسسة أربيا الفرنسية ORPEA على مدار سنوات. يتناول كتاب « حفارو القبور» بالدراسة الكواليس الخلفية والأساليب المريبة لهذه المؤسسة الكبيرة التي تُدير وتشرف على 1110 فرع في 23 دولة.يؤكد فيكتور كاستاني أن المخالفات التي ارتكبتها هذه المؤسسة كانت لها عواقب وخيمة على جودة الرعاية الصحية التي يُفترض أن تُقدّم لكبار السن المقيمين على نفقتهم الخاصة داخل دور رعاية المسنين التابعة لهذه المؤسسة، ويدق عبر صفحات كتابه ناقوس الخطر حول القصص المأساوية التي تدور أحداثها داخل تلك المؤسسة التي أُنشأت بغرض تقديم الرعاية الكاملة لكبار السن لا سيما الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر.
وقادت التحقيقات الدؤوبة التي استمرت مدة ثلاث سنوات من 2019م الى 2021م، مؤلف كتاب « حفارو القبور» إلى توجيه أصابع الاتهام الى هذه المجموعة لكونها تُسيئ معاملة كبار السن بشكل يثير الريبة. أما عن المقابلات التي تم إجراؤها مع أكثر من 250 موظفا من العاملين السابقين داخل مؤسسة أربيا الفرنسية ORPEA ومع بعض وزراء صحة السابقين وأيضا مع عوائل كبار السن الذين يقيمون في دور المسنين التابعة لهذه المؤسسة ومع موردين الأدوية ومستلزمات وأدوات التنظيف والعناية الشخصية فتهدف إلى الحصول على شهادات حول الظروف المعيشية لكبار السن. ومجمل هذه الشهادات تلفت الانتباه الى أن معايير جودة الخدمات الصحية غير متوفرة في هذه المؤسسة خاصة مع تفشي وباء كوفيد 19 الذي تسبّب في وفاة عشرات الآلاف في دور رعاية المسنين التابعة لمؤسسة أربيا الفرنسية ORPEA التي تفتقر إلى تحسين أداء خدماتها الصحية وتكاد تنعدم قدرتها على تقديم الرعاية اللازمة لكبار السن.ولأن هناك أوجه قصور في منظومة النظام الصحي الفرنسي فقد رسخ في يقين مؤلف كتاب «حفارو القبور» أن النتائج الصحية المطلوب تحقيقها غير متوفرة داخل مؤسسة أربيا الفرنسية ORPEA. ويؤكد المؤلف أن الإجراءات الرقابية وعمليات التفتيش التي يتوجب على وزارة الصحة الفرنسية القيام بها قليلة ونادرة للغاية وتتم بعشوائية، وقد يتم إخطار المسؤولين في مؤسسة أربيا الفرنسية ORPEA بموعد التفتيش مسبقا وبالتالي يتمكن المسؤولون في هذه المؤسسة من اتخاذ إجراءات تصحيحية وقائية سريعة لإخفاء حقيقة الوضع المؤلم. يذكر المؤلف السيدة سعيدة بولحيان التي أدلت بشهادتها في هذا التحقيق والتي قالت بأن كبار السن داخل هذه المؤسسة الذين يعاني معظمهم من ضعف إدراكي واضطرابات نفسية حادة تؤثر على ذاكرتهم وسلوكهم الشخصي يكونون في أحيان كثيرة عنيفين في تعاملهم مع الآخرين ومع ذلك لا يتم توفير الرعاية الشاملة لهم.
وينتقد فيكتور كاستاني هذه المؤسسة بسبب المغالاة الشديدة في أسعار الغرف التي لا تتناسب مع جودة الرعاية الصحية التي تستجيب لاحتياجات كبار السن ويقول بأن إيجار الغرفة الواحدة التي تبلغ مساحتها عشرين مترا مربعا حوالي 6500 يورو شهريا وقد تزيد إلى 12000 يورو إذا كانت الغرفة بها خدمات إضافية متميزة، ومع ذلك يتعرض كبار السن لسوء معاملة وإهمال شديد وممارسات لا إنسانية وتجاوزات وانحرافات سلوكية لا يمكن لعاقل أن يتقبلها.ختاما: يذكر فيكتور كاستاني مؤلف كتاب «حفارو القبور» أن أجهزة الدولة الفرنسية المعنية بالشأن الصحي أثبتت عدم كفاءتها وعجزها عن مسائلة المقصرين وافتقارها لأنظمة تدقيق حديثة تستطيع من خلالها الكشف على الخلل الحاصل في إدارة مؤسسة أربيا الفرنسية ORPEA حيث تعددت مستويات الأزمات داخل هذه المؤسسة بحسب مستويات تأثيرها، فمنها ماله تأثير يتعلق بنقص الحفاظات الضرورية لكبار السن التي لا يتم استبدالها بشكل دوري ومنها ما يتعلق بقصور في توفير أدوات النظافة والوسائل الطبية ومنها ما يتصل بعدد العاملين بهذه المؤسسة الذي يتضاءل يوما بعد يوم ومنها ما له علاقة بتجاوزات مالية كبيرة، وهكذا فان ما يتم تداوله حول هذه الفظائع ليس سوى غيض من فيض. ان كتاب «حفارو القبور» يُدين بأشد العبارات الانتهاكات الجسيمة التي مارستها واحدة من أكبر المؤسسات الصحية في أوروبا (مؤسسة أربيا الفرنسية ORPEA) التي تأسست في عام 1989م على يد الدكتور جون كلود ماريان، الأمر الذي أدى الى تراجع أسهم هذه المؤسسة في البورصة الفرنسية.
** **
د.أيمن منير - أكاديمي ومترجم فوري