عبدالمحسن بن علي المطلق
ليس لأنها تمثّل مرحلة من عمرك بل لأنها العذب وذاك الجميل الذي أودعت به كل بدايات دنياك، فعلقت ما لا يبرح بعدها إن غفوت ينقرك كـ(عصفور) بلله القطر وكم أنت بللك حاضرك فلم تجد عنه مفازا سوى السواح بذاك الرطيب الذي انطوى( بلا طوعك).. منك!
فالماضي ، أو(جمال..)حياة أخلفتها.
و عهدا (نقيّا) الصبا.. الذي كان فيه الخلان من القطّان، تحديدا بقية مما ترك القوم في خلدك، درجة و إن كابرت تلفاك بلا اختيارك/
تلفّتت عيني ، فمنذ خفيت عني الطلول( تلفّت القلب) لتردد أهزوجةً.. و إن حصت عن توجّد ما تجد إزاءها محاولا التواري تلفاها شاهرة، لأن منطق الضمير -إن كتمت- فضح..
فسبحانك ربي! كيف تنبعث من الذكريات أريج لا يشمّ عبقه سوى الفؤاد، فكأن تلكم تأتي على غفلات من حياتنا، فلا تتبصّر ذاتك إلا وقد صادتك!
و حين تغادر تتلمّس إثرها من عوالق تسرح بك خلف خيوطها، والتي هي الأخرى لكأنها تتغافلك فتلتف عليك فما من خلاص لك بعدها،
وقد أمسيت في شباكها واقعا، و في أجوائها قابعا.
و هنا تتحكّم هي برسنك، فتأخذك إلى حيث تشاء، فربما سافرت بك إلى ماضٍ غابر أوحتى عهد قريب مما كان في أتونها، لتركنك بين القوم الذين ما مضوا حتى أودعوا بك علامات لهم دالات لمقامهم فهي تودعك قصدا بتلكم المرابع لتختبر مدى وفائك لأولئك.. ما لا تجد حالك إلا و المحاجر منك تتفجّر، بل قد تشجي لسؤال يتجلى داخلك:
أن.. كيف و بغمضة عين ذهبوا، وعقود من ذكرياتهم هي على مشاجب دنياك معلّقة..! ، لتقول لك: لا، لم يمض القوم..
نعم ليسوا هنا، لكن حسبهم وجودهم فيك، يجولون بطرقات ذكرياتك،و صورهم على واجهات قلبك تناغم، أو إذا ما خلوت الدهر يوما تنادمك، لكأنها تناديك إلى تأمّلها، ولاغرو فهي كـ العبقري الحسان يزدان بها القلب منك.
تلك لعمري أثرة لها بقي تتبعك و إلى أين ذهبت تذهب معك، وإن بعدت توافيك بلا اختيار منك لا في الزمان ولا بالمكان، لأنها عامرة بك او بالأصح عمران صرحك على جذورها.. حتى وإن أقفر منك الحاضر، أوأتى على تلك ما أتى على لبدٍ فأنت -عمرك- منها، وعلى عروشها قائم ..
فما اليوم إلا لبنة الأمس، و لا ينفكّ من أمسه منّا أحدا.
و كم حاولت انفكاكا لا عنها، ولكن على ما تجلب إن أتت، لأن معها التاريخ والأماني التي بيوم كانت.. و إن تكن بحاضرك الآن اندثرت!
فكم من حبّ بالصبا والطفولة العذبة من قبل، و أيام لا تجد عن تسلّيك بها ناهيا فتلكم بعض مما يكحّل في خيالاتك جميلها، و يسحبك بلا اختيار منها لعوالمها، فذاكم (دواعٍ) قد تجعلك ماضيا إثرها، ناسيا زمانك والمكان.
هل بعد جزئياتٍ مما تقدم تجد لك عاذلا على ما فرّطت بموعد حلّ أو عهد قطعت وهذا الزخم يدخل على جدولك بلا استئذان، و ربما وهو يهجم نادى في أصدائك من كان يعمر تلك الدنيا؟ ، فضلا عمن زايدك على أدواتك الصغيرة وهي يومئذ أعزّ ما تملك.
لا جرم أنه..ومهما كابرت بما امتلكت من معطيات دنياك، قد صرفت بربوع تلكم أنسك الحقيقي الذي لا يكذّبه حاضر في رهن يمينه أسباب السعادة الحقّة - الماديّة-
وهذا ما لا تسطع عليه مكابرة.. مهما كبرت.