د.عوض بن إبراهيم ابن عقل العنزي
قال أحدُ الشعراء:
ترى النَّاس أشباهًا إذا نزلوا معًا
وفي القومِ زيفٌ مثلُ زيفِ الدراهم
وقال أعشى همدان:
مُبَـتَّلَةً غَرَّاءَ رُؤْدٌ شَـبَـابُـهَا
كشمس الضُّحى تَنْكَلُّ بين السّحائبِ
ويرى المتأمّل في البيتين أنَّ في التشبيهِ بالكافِ تفسيرًا، وليس شرطًا أنْ يكون التفسيرُ هو المُفَسَّر، أما في التشبيه بـ(مثل) فإنّ عَقْد المماثلةِ لابد أنْ يكون صحيحًا في طرفي المماثلة؛ المماثِلِ والْمُماثَل وإلا كانت التسوية في غيرِ محلّها، ولا تُقضى بها ذمّةُ قائلها.
ولعلّي أزيدُ في إيضاحِ ما أرمي إليه فأستعمل مثالين أحدهما تشبيه بالكاف (زيدٌ كالأسد)، والآخر تشبيه بمثل (زيدٌ مثل الأسد).
وإذا نظرتَ في (زيدٌ كالأسد) تجد أنّ في هذا تفسير بأسِ زيدٍ بحيوانٍ معروفٍ بالبأس، وأنَّ البأس الذي في (زيدٍ) هو بأسٌ زائدٌ عن غيره زيادةً لابد من تفسيرها بشيء، فكان التشبيه هنا تفسيرًا.
(زيدٌ مثل الأسد)، هذا ليس تفسيرًا لبأسِ زيد، بل تسويةٌ له بحيوانٍ ذي بأسٍ، وليس في المثال إشارةٌ لزيادةٍ في البأس عند زيد وهي غيرُ معروفة لتُفسَّر، بل إنَّ (مثل) دلَّتنا على أنَّ التشبيه بها يعقد حينَ نعرفُ (بأس زيدٍ) و(بأس الأسد) فنعقدُ عقدًا بالمماثلةِ بين شيئين معروفين عندنا.
وهنا يتبيَّنُ لكَ أنّ التشبيه بالكاف تفسيرٌ لمبهمٍ نحاولُ كشفه، والتشبيه بمثل تسويةٌ بين شيئين معروفين لدينا، وقد آثرنا (مثل) لنبيّن أنَّ (البأس) بين طرفي التشبيه بمثل فضلا عن تساويهما هو أمرٌ مشتهرٌ غيرُ خافٍ عنّا.
وهنا تعلم أنّ التشبيه بالكاف هو تركيبٌ بيانيٌّ نخبرُ به عن مبهمٍ لا نعرفُه يُدهِشُنا فنختارُ طريقًا لتفسيره، والتشبيه بمثل تركيبٌ بيانيٌّ نخبرُ به عن شيءٍ نعرفُهُ ونخبُرُ أمره ونجدُ أنَّ له في أنفسنا تقديرًا نقرنه بما يماثله، وحينئذٍ لا يكون في كلامنا إخراجَ الأغمضِ إلى الأظهر، بل نخرجُ ما يُجهلُ عنّا إلى العَلَنِ ببيانين تشبيهيّين عربيّين اتفقا أبًا واختلفا أمَّهاتٍ مبتعدين بذلك عن بلاغةِ المتكلِّمين التي ترومُ كشفَ ما تظنُّه خفيًّا عن النّاسِ بما تحسِبُ أنَّ فيه جلاء الأفهام بالإفهام.
** **
- جامعة الحدود الشمالية – سبتُ رفحاء (من جمادى الآخرة، في عام)