د.رفعة بنت موافق الدوسري
إن الفهم الحديث للممارسات السياسية الحديثة عند الغربيين ينهض على الفصل بين السياسة والأخلاق، إذ تمثل الأخلاق في الفكر السياسي الحديث للدول الغربية قيمة رديفة من مستويات الفعل السياسي، إلى درجة أن مفهوم (سياسة المبادئ) يعد ضمن نظريتهم هذه مفهوما خياليا ومناقضا لطبيعة السياسة التي ينظر إليها المحللون بوصفها مجالا للصراع بمستوياته المتعددة، التي لا تمثل المعيارية الأخلاقية فيها سوى درجة ثانوية، انطلاقا من استبدال القانون بالأخلاق، فالانتقال من المسؤولية الفردية المرنة التي ترتبط بالقيم والأخلاق إلى المسؤولية المؤسسية التي ترتبط بصرامة النص القانوني ونفاذه، لا سيما في ظل استحواذ الدول المصدرة لقضايا النزاع على أجهزة القانون الدولي.
وبطبيعة السياسة في الدول المؤسسة لما يسمى بخرائط الطريق، يعد المعيار الأساسي للتخطيط السياسي هو الغاية، لذلك يرى بعض محللي الفعل السياسي من الغربيين أن التمويه والتضليل في السياسة ممارسات مشروعة، فتستثمر القيم بحسب حاجة الفاعل السياسي ومتطلباته، فتمثل القيم ضمن هذا السياق مظهرا يستثمره الفاعل السياسي في خلق ظروف وأحداث مواتية لمصالح المؤسسات التنفيذية السياسية، مع أن القانون في الممارسة السياسية الحديثة عد بديلا عن الأخلاق، وبرغم ذلك لم تنفك السياسة عن الأخلاق، وبقيت تلك الممارسات التي تستثمر القيم لصناعة مظاهر سياسية مخصوصة يدعمها القانون الدولي، حيث تستثمر الأخلاق ضمن هذا المستوى لتقديم الفعل السياسي القانوني، وقد تستثمر الأخلاق لتقديم الفعل السياسي بمستواه اللا أخلاقي كذلك، فتكون الأخلاق أداة لإخراج مستوى معينا من مستويات الصراع السياسي، نحو عرض الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وملف حقوق الإنسان، وحرية التعبير، وقضايا اللاجئين الأفغان، وملف الثورات في بعض دول الشرق الأوسط.
ولعل هذا ما دفع بعض الساسة في الشرق الأوسط في بعض مقامات التخاطب إلى استثمار الصيغ الأخلاقية في الخطاب السياسي عوضا عن الصيغ القانونية برغم قوتها ونفاذها، وذلك في مواجهة الممارسات القانونية عبر استثمار النص الأخلاقي الصادر عن أجهزة قانونية دولية.
إذن، كيف انفصلت السياسة عن الأخلاق في الفكر السياسي الحديث؟ أو كيف حل القانون محل القيم في الممارسات السياسية الحديثة؟ أو هل حل القانون فعلا محل القيم والأخلاق في الممارسات السياسية الحديثة؟