أصبحت الشهرة هوس فئة غير قليلة من الناس ويختلف الهدف منها، فتجد منهم من يحاول أن يجعل منها مشروعاً تجارياً يدر عليه مبلغاً من المال، فيسعى لنيل إعجاب متابعيه بل ويبذل مافي وسعه لجلب العدد الأكبر من المتابعين، بعضهم ينجح ويدخل باب الثراء في هذا المجال، ويكون ذا حظ عظيم، ويحصل ذلك حسب المحتوى الذي يتم طرحه حتى لوكان في نظر البعض محتوى مبتذلاً أو تافهاً كما يقال، فأصبح التافه عند البعض مستساغاً عند آخرين وبات الحلال حراماً عند غيرهم والعكس صحيح، ولم يأت ذلك عبثاً بل كان نتيجة طبيعية للامتزاج الثقافي بين الأمم المختلفة واختلاط الشعوب العجيب عن طريق تطبيقات التواصل الحديثة وصار كل مجتمع يؤثر على ثقافة الآخر إلى حد التشكيك أحياناً في بعضها، أو التأثر ببعض طقوسها، و الأغرب أن أكثر من يسهم في دفع المشاهير إلى الشهرة هم منتقدوهم ويكون ذلك في التنمر عليهم، أو الردود عليهم رغبة في إسكاتهم، وهم في طبيعة الحال يقدمون لهم خدمة الشهرة التي هي مبتغاهم دون أن يشعر منتقدوهم، وفي خضم هذه الصراعات تجاه المحتويات نجد أن المحتوى الثقافي يزاحم الأطروحات الأخرى ولكنه على استحياء مع أننا نرى محتويات رائعة في نظري على الأقل وحظها في الانتشار ضعيف والأعجب أن أصحاب المحتويات الثقافية يشتد بينهم الصراع الفكري لتقزيم بعضهم البعض لذلك يبقى المحتوى الثقافي يعيش أزمة الظهور وأزمة القبول ، بينما غيرها من المحتويات والتي يسميها الآخرون تافهة هي صاحبة الحظ العظيم عالمياً، والمشكلة تكمن في عدم وجود مرجعيات عالمية موحدة وملزمة لتحديد الأفضل فالمرجعيات العالمية نفسها تختلف في تحديد الأفضل بل وتتباين في تحديد ماهية المحتوى الثقافي فهناك مرجعيات دينية مختلفة التوجه تتصارع فيما بينها وهناك مرجعيات ثقافية هي أيضا لم تتفق.
ويحق لك العجب حين تجد من يسميهم البعض تافهين من مشاهير التواصل الاجتماعي قد فاقوا اجتماعياً وعالمياً وإعلامياً فاقوا أصحاب الشهادت العليا في مقدرتهم على التسويق والإعلان لمنتج تجاري ولا يحتاج الموضوع أمثلة، ولربما رأيت مشهوراً ما قد نصب نفسه موجهاً اجتماعياً، أودينياً أو طبياً, وكل مشهور مهما كان طرحه له معجبات ومعجبون حتى لو كان ذلك المشهور يروج لخرافات لا أصل لها، وليس غريباً أن يشتهر لاعب أو عالم أو فنان...لكن الغريب أن يشتهر شخص دون ميزة نعرفها وقد يكون مايسمى بالتهريج الحر سبباً للشهرة والتاريخ العربي ثري بالمشاهير، وهم أيضاً اختلف الناس حول تقييمهم إلا أنه في السابق قد يصل المشهور إلى مرحلة التقديس العنيف والإعجاب الأعمى، وقد يدفعهم ذلك المشهور إلى الهاوية فكرياً أو فعلياً.
ويمكن القول إن أسباب الشهرة سابقاً قد تكون مبررة فيشتهر الشاعر لجودة شعره والمحارب لحسن بلائه، والكريم لكرمه والحليم لروعة حلمه وهكذا.
والأكيد أن ظهور المحتويات الثقافية في وسائل التواصل أربكت النخبة التي يُزعم أنها مثقفة، والتي كانت متسيدة إلى حد ما على الساحة الثقافية بل ربما أخفت بعضهم.
** **
- صالح بن سليمان الربيعان