المدينة الفاضلة كما تصورها فيلسوف الفلاسفة.
المدينة البائسة..
لحظة قلبت الموازين.
هناك لحظات يعيشها الإنسان تستمر عالقة في ذهنه، وخاصة عندما تكون هذه اللحظات تعيسة، وتجارب مرّة، فاللحظات لجميلة تبقى خالدة، لتستعيدها في لحظات صفاء مع نفسك، أو مع من عشت معه اللحظة. أما اللحظات السيئة والتجارب المرّة فتبقى لتشكِّل منطلقاً لأفكارك، وتغيِّر حياتك، وتحكم من خلالها على الأشياء، بصرف النظر عن صحة هذا الحكم من عدمه.
من خلال هذا الكتاب أرى أن أفلاطون نموذج لهذه الفكرة، فمدينته «الفاضلة» ليست فاضلة تماماً، فهي عبارة عن خواطر وخلجات نفس خطّها نتيجة ظروف معينة، أهمها إعدام سقراط. تلك التجربة المرّة التي مرت على أفلاطون العاشق المغرم بسقراط والذي يرى معلمه يعدم بقد قرار صدر «بالأغلبية»، وكأن لسان حاله يقول: اليوم سقراط وغداً من سيكون؟!
أحس بالألم، وهام في الأرض وتنقّل فيها، ولعلها لحظات تأمل بعيداً عن ضوضاء الحدث وازدحام نتائجه، وكأنه يريد أن يعطي نفسه زمناً يعيد فيه بوصلة أفكاره إلى الطريق الصحيح. فتجوّل في بقاع الأرض لمدة 12 سنة بدأت بمصر وانتهت بصقلية مروراً بالهند، حتى استوت أفكاره ونضجت في سن الأربعين، فخرج بأفكار عن مدينة يرى أنها «فاضلة» تتصادم هذه الأفكار وتتعارك مع بعضها لتدرك بعد الانتهاء من الاطلاع على هذه الأفكار أن أفلاطون لا يبحث عن «مدينة فاضلة»، بقدر ما كان يبحث عن إعادة «بعث سقراط»!
في مدينة أفلاطون الإنسان مجرد ترس في مكينة، بدون روح ولا هوية، يصنّف فيها المجتمع إلى ثلاث طبقات، حيث تأخذ الدولة الأطفال وتقوم بتربيتهم وتصفيتهم عبر امتحانات قاسية، يتساقط فيها الفاشلون ويرتقي الناجحون عبر ثلاث مراحل إلى أن ينتج لدينا ثلاث طبقات رئيسية، الطبقة الدنيا أهل الأعمال الحرفية والتجارة، والطبقة الوسطى طبقة العسكر، والطبقة الأعلى طبقة الفلاسفة، في فترة زمنية تصل إلى 50 سنة ليصل إلى نتيجة حتمية وهي أن يحكم الفلاسفة أمثال سقراط البلاد.
لا يحق للحاكم عند أفلاطون تكوين أسرة ولا يجب أن يعرف أبناؤه. وهذا خلط في المفاهيم عند أفلاطون، ومحاسبة المفهوم من خلال سوء استخدامه، فهو يهدف ألا يهتم الحاكم بأسرته على حساب الدولة، مغفلاً سوء النتائج المتوقعة وهي اختلاط الأنساب بين طبقة الفلاسفة الحاكمين، وهو أمر يبدو أن أفلاطون لا يعيره اهتماماً.
أخيراً ...
مدينة أفلاطون تخالف في بعضها الفطرة الإنسانية، وأقرب مثال لها هو الفكر الشيوعي الذي يفني الفرد في الجماعة.
ما بعد أخيراً...
كثير من أفكارنا تنتج من خلال مواقف قديمة متراكمة، أو تجربة مرّة واحدة ...
وتبقى هذه التجربة حبيسة عقولنا..
ومنطلق أفكارنا ...
ومبتدأ توجهاتنا ...
** **
- خالد الذييب