أ.د.عثمان بن صالح العامر
يقول لي صاحبي: (كنت نهاية الأسبوع الماضي في مدينة جدة، ودخلت في وقت متأخر من ليلة الخميس المنصرم على محل بيتزا، طلبت العشاء، ثم جلست انتظر في سيارتي أمام المحل، وعدت بعد مضي الوقت الذي أخبرني الكاشير أنه كافٍ ليكون الطلب جاهزاً، بصدق كانت لدي مشكلة صعبة - في نظري الشخصي - ألمت بي من أول النهار، فسربلتني الكآبة، واحتواني الضيق، وتكدر صفو يومي، وخيم الوجوم على محياي بشكل ملفت للنظر، وما أن وقفت أمام الكاشير من الجنسية الفلبينية لاستلم الطلب بعد أن مضى الوقت المحدد في البداية حتى فاجأني بسؤاله الذي لم يكن في الحسبان عن السبب الكامن خلف عدم ابتسامتي منذ وقفت عنده وحتى لحظة الانصراف عنه؟!، كان قارئاً جيداً لملامح وجهي، وقال ناصحاً لي: «ترى كل واحد فيه مشكلة، أنا فيه مشاكل كثر، كل نفر عنده مشاكل، لازم المشكلة تكون داخل، ووضع يده على قلبه وهو يقول، قلبك لك، ووجهك لمن يراك فلازم يكون وجهك كويس، ابتسم حين تقابل الناس»، بصراحة جلست أفكر فيما قال، ووجدته محقاً في كل كلمة نطق بها وإن لم تكن بهذه اللغة على وجه الدقة، فالفصل الفعلي بين ما هو خاص بك وما هو حق لغيرك أمر مهم في علاقاتنا الاجتماعية، والناس كل الناس لديهم من الهموم والمشاكل التي هي طبيعية في هذه الحياة مع اختلافها النسبي قوة وضعفاً، فلو كل منا جعل هذه المشاكل تلازمه وتظهر في ملامح وجهه لانعكس ذلك سلباً على علاقة بعضنا مع البعض الآخر، والناس وإن كانوا لا يعرفونك ولا يعلمون حجم المشاكل التي تعاني منها إلا أنهم يجيدون قراءة وجهك ويريدونه مبتسماً مهما كانت الظروف التي أنت فيها، فهو في نظرهم حق مشروع لكل من تقابلهم، هو البوابة الأولى للتعامل سلباً أو إيجاباً مع من يقف أمامهم ويتحدث إليهم. ولا عجب فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الابتسامة ويعدها صدقة تنال بها الأجر، وذلك لما لها من أثر مباشر وعظيم في تحقيق السلام المجتمعي.
إننا بحاجة إلى اكتساب مهارات الحياة، وامتلاك القدرة على الفصل التام بين ما نعانيه في داخلنا وبين جوارحنا الخارجية، فليس من تقابله مكترثأً بما أنت عليه من حال هو شأنك الخاص، هو يريد وجهأً طلقاً وابتسامة عريضة وكما قال قال سفيان ابن عيينة:
أبني إن البر شيء هين
وجه طليق وكلام لين
دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.