زكية إبراهيم الحجي
لعبت المتغيرات غير المسبوقة والتحولات المختلفة في أنماط حياة المجتمع دوراً كبيراً في ترسيخ ثقافة الاستهلاك لدى كافة شرائح المجتمع وبمختلف فئاته العمرية.. وتحول الاستهلاك إلى هدف في حد ذاته حتى أنه بات يعبر عن رمز لمكانة الفرد في المجتمع ومن هنا تزايد الطموح الاستهلاكي بغض النظر عن الحاجة إليه.. وتنامى الاستهلاك الترفي وارتبط بالتفاخر والتباهي وصار أقرب ما يقال عنه «البطر».
على الرغم من أن ثقافة الاستهلاك ليست بثقافة جديدة على المجتمع وربما كانت محصورة لدى طبقة معينة من المجتمع في زمن مضى إلا أنها شاعت وازدادت تنامياً وأصبحت أكثر رواجاً في وقتنا الحالي بفعل بناء سوق عالمي موحد وتشكيل ثقافة عالمية تجاوزت الحدود واخترقت ثقافة مجتمعنا مما جعل المجتمع يستسلم لقوة وإبهار التيارات الثقافية الاستهلاكية المتدفقة فاستحوذت العقول وأثارت العواطف وحركتها نحو الترغيب القهري من خلال وسائلها الإعلانية المنتشرة في وسائل الإعلام المختلفة.. وظهر ذلك جلياً في النزعة الاستهلاكية للأطعمة السريعة وخلافها وظهور أنماط جديدة للتسوق كالمحلات الضخمة ذات الطوابق المتعددة والأقسام الكثيرة والجاذبة.. ولا تقتصر فقط على البيع والشراء بل تجاوزت إلى متع أخرى ومتنوعة يجد مرامه فيها الصغير والكبير والزائر كالمقاهي والمطاعم ومراكز ألعاب الأطفال والخدمات البنكية والسياحية وهذا بحد ذاته أمر جميل ولا اعتراض عليه كونه يوفر مراكز خدمات ضرورية لمرتادي الأسواق كما أنه واجهة راقية للوطن وملفتة لزائريه إنما الاعتراض على الإنفاق التنافسي والنزعة الاستهلاكية التي هيمنت على العقول وأججتها عواطف الرغبة الجامحة بالامتلاك وهذا هو جوهر القضية التي نعاني منها.
إن الثقافة الاستهلاكية ما هي إلا ترابط الأنشطة الاقتصادية مع الممارسات الثقافية للمجتمع والمصاحبة للعملية الاستهلاكية.. بمعنى هي مجموعة المعاني والرموز والصور التي تصاحب العملية الاستهلاكية وتؤثر على الفرد فتجذبه قهرياً إلى الشراء.. لذلك فهي تدور أساساً حول عملية استهلاك مادي وإنفاق قسري غير مبني على العقلانية وبغض النظر عن الفوائد المتحققة من ذلك.. أو مدى الاحتياج الفعلي للسلعة أو البضاعة المشتراة.
وفي حقيقة الأمر نحن مجتمع مفرط في هدر المال على أطعمة وسلع وكماليات لا حاجة لنا بها أو حتى شراء سلع وأدوات لم نتعود على استخدامها نقتنيها ليس إلا رغبة في محاكاة الآخرين ومحاولة تقليدهم في أنماطهم الاستهلاكية.. نحن مجتمع نتنافس على تملك كل جديد وحديث.. وربما يلجأ أحدنا إلى الاستدانة ليطفئ جذوة النزعة الاستهلاكية.. لقد تملكتنا هزيمة الذات أمام الركض خلف الإنفاق والاستهلاك والتبذير غير المقنن
لقد باتت ظاهرة النزعة الاستهلاكية أشبه ما تكون بظاهرة مرضية من الصعب أن نجد حلاً لها.. وأصبح امتلاك السلعة هدفاً في حد ذاته يضفي على الفرد (رجلاً كان أو امرأة.. طفلاً كان أو شاباً) مكانة أو مركزاً اجتماعياً يصنعه لنفسه أو يتوقعه من الآخرين.. أخيراً ليس كل ما تشتهيه تشتريه.