احتفل العالم العربي مؤخراً باليوم العالمي للغة العربية.. وللغة القرآن فنون عدة ما بين روعة البيان وسحر الكلام، وخصوصاً فيما يتعلَّق بـ»الإلقاء» الذي يعتبر فناً مستقلاً بحد ذاته، تحدث عنه الكثير من عظماء الإلقاء وفنون الحديث والخطابة وأساتذة البلاغة.
وما أنا بطرحي البسيط والفقير هذا إلا كقطرة ماء صغيرة في بحر العلم العظيم، أحاول متشفعاً ببساطة لغتي وتواضع بلاغتي استعارة ما أوتيت من علم البلاغة وما درست في المعاهد العلمية عن ألفية ابن مالك في القاعدة اللغوية والنحوية، أسطرُ منها الأبيات الأساسية في معرفة قواعد النحويين ومبدعي الحديث والإلقاء وكذا أساتذة اللسان وأصحاب البيان.
كلامُنا لَفْظٌ مفيدٌ كاسْتَقِمْ
واسْمٌ وفعلٌ ثُمَّ حرفٌ الْكَلِمْ
واحِدُهُ كَلِمَةٌ والقولُ عَمّ
وكَلْمَةٌ بها كَلامٌ قد يُؤَمْ
وللحديثِ عن هذا الموضوع المثير للاهتمام والذي يعتبر من أهم الموضوعات الأدبية التشجيعية ألا وهو فنون الإلقاء الفعَّال، لا شك في أنّ لكلٍّ منا الحق في التعبير عن رأيه الخاص. فجاء، وفقاً لذلك، اختياري لهذا الموضوع متزامناً مع اليوم العالمي للغة العربية، كي تتبلور الأفكار مع الظروف الزمنية المواتية لتكرار وإِثَابة فكرة ناجحة، حيث سبق لنا إجازة كتاب من مقام وزارة الإعلام تحدثنا فيه أيضاً عن فنون الإلقاء الفعَّال ولعلنا، الآن، نقتبس منه أهم المحاور الرئيسية في علم وفن الإلقاء بدءاً بقول الله جلّ جلاله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}، وقوله تعالى: {وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا}، وكذا حديث رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم (إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا).
لعلّنا نبيّن بذلك أنّ الإلقاء والخطابة فنٌّ يتعلمه الناس وأنّه ثقافة مكتسبة وليست بالموروثة وأنّ من لا يخطئ لن يتعلّم أبدا. لذا فعلى الحريص في تعلم هذا الفن وإتقانه، الإقدام والمبادرة بخطوة قد تكون الأولى من نوعها على مستوى العائلة أو عرض بسيط في محيط العمل حسب نسبة استعداده واهتمامه. ومن أهم أسس الإلقاء هناك عددٌ من العناصر الأساسية. أوّلها تحضير ما تريد التحدث عنه جيداً لتزيد من ثقتك بنفسك. أمّا إذا راودك شعور بأن ذلك التحضير قد يكون غير ضروري، يمكنك اختصاره في مجموعة رؤوس أقلام على ورقة صغيرة يسهل حملها معك. ابدأ كلامك بأفضل ما لديك ولا تنتظر حتى تحصل على تشجيع المستمعين. احرص على ما يهم المستمعين وما يجلب انتباههم إليك بانتقاء كلمات وعبارات مناسبة، ولا تعتذر عن التكملة إذا تخوفت وشعرت بتوتر أو ارتباك لأن أغلب المستمعين لن يلاحظ ذلك. إنّ فنّ الخطابة والإلقاء ضروري دائماً في الخُطب، الكلمة، المحاضرة، الندوة، والتقديم في الدروس العلمية والمحاور والنقاشات لذلك دائماً ما يكون للملقي ولمقدمِ البرامج شروط للقُبول منها سلامة اللغة، نبرة الصوت، لغة الجسد التي تلعب دوراً أساسياً، الثقة والتهيئة النفسية، حسن المظهر والهندام، كما وتجب مراعاة وجود كبار السن بعدم الإطالة والمماطلة في الحديث، إضافة إلى مراعاة المذاهب، والقناعات، والنفسيات، والأجواء المحيطة، وظروف البلد، أو شخص معيّن متواجد كمستمع. كما أنّه من المهم الانتباه للاحتياجات المختلفة بالحرص على عدد من العناصر الأساسية قبل وأثناء وبعد الإلقاء. يتمُّ ذلك قبل الإلقاء عن طريق تحديد الموضوع من خلال التفكير المناسب بالموضوعات وأخذ الاستشارة والمشورة المناسبة بخصوصها واختيار الموضوع الذي يفرض نفسه. أمّا فيما يخصّ مرحلة أثناء الإلقاء، فتكون عن طريق حسن العرض (الاستعانة بلغة الجسد)، وضوح الصوت وجودة الإلقاء، تعبيرات الوجه وإيماءات الرأس، حسن استخدام الإشارة، واتزان الحركة. مرحلة ما بعد الإلقاء تكون للمناقشة والاستفسارات حول ما طُرح من نقاط مع عدم نسيان القيام بشكر المستفسر والاعتذار عن الجواب دون إظهار الارتباك أو الانزعاج في حالة جهلك أو عدم معرفتك للجواب للخروج من الموقف بدبلوماسية وحنكة وسرعة بديهة. ومن أهم الأمور المعينة على التفوق في الإلقاء، الرغبة والتحفيز الداخلي المصحوب بمشاعر قوية، الحماس واهتمام المتحدث بمواضيع حدثة، التحديق في أعين الحضور والمستمعين وتوزيع النظرات على الجميع ومراقبة ردود أفعالهم، التلقائية والارتجال في الإلقاء أي رسوخ المادة في الذهن لا حفظها فقط، والتدريب والتمرين وتعويد النفس على الإلقاء. كما أنّ هناك حركات وانطباعات يقوم بها جمهور المستمعين تستطيع من خلالها التعرّف على جودة الإلقاء ومدى قبوله لديهم من عدمه. نذكر منها في البداية الإيجابية والجيدة منها والمتمثلة في هز الرأس كدلالة على الموافقة والتأييد، ميل الجسد إلى الأمام أيضاً يعني انتباه المستمع، النظر المستمر لك كمخاطِب يعني تركيز المستمِع وانتباهه، الميل إلى أحد الجانبين مع النظر إليك يعني التفكير والتمعن فيما قلته، الابتسامة والضحك دلالتان على السرور والارتياح، أما كتابة وتسجيل ملاحظات فتعني الاهتمام بالموضوع وتقدير المادة. أما فيما يخص العلامات التي تعتبر سلبية أو غير مستحبة والتي، أتمنى ألا تحدث مع أي متحدث إن شاء الله، فيمكن حصرها في التالي: ملاحظة التململ وكثرة الحركة في مكان جلوس أو تواجد المتلَقي، كثرة الدخول والخروج، النظر المستمر أو المتكرر للساعة، التأمّل في أنحاء الغرفة أو القاعة أو الالتفات المستمر للخلف أو الانشغال بالجوال، كثرة التثاؤب. هناك أيضاً العديد من شخصيات أنماط المستمعين مثل المستمع الحسي، والبصري، والسمعي ... إلخ كنقطة ختامية أخرى وجب أخذها بعين الاعتبار من أجل الإحاطة بجميع الطرق والأساليب التي تفضلها كل أنماط المستمعين وبالتالي الحصول على انتباه، قبول، ودعم بصري وحسي وسمعي أكثر منهم.