عبده الأسمري
ما بين «الحنين» و«اليقين» أقام «صروح» الصحافة أمام بصر «المؤسسين» ومن شواهد «الوفاء» ومشاهد «الاستيفاء» جنى عوائد «الفلاح وحصد فوائد «الصلاح»..
من عمق «مسلك ممهور» بالمهارة إلى أفق فلك يدور بالكتابة مضى يوزع «بشائر» الرأي في بلاط صاحبة الجلالة ويجول في ميادينها رافعاً «راية» التحدي حول «المناظرات» والتصدي أمام «المؤامرات».
مسك «زمام» البدايات في شؤون «النشر» وتمسك بمهام «التحديات» في متون «الطباعة» فكان الابن البار لمهنته والسليل السار لأسرته الذي حول «التحرير» إلى «تسطير» يسخر «كلمات» الأثبات في خدمة «ملكات «الذات ليكون «صدى» الحقائق ومدى «الوقائع» الموقعة بالقلم والمختومة بالفكر.
إنه الأديب والكاتب الراحل محمد صلاح الدين الدندراوي أحد أبرز الأسماء الصحافية والثقافية في السعودية.
بوجه تسكنه علامات الرقي وتملؤه سمات الروية ..مع ملامح أصيلة تتكامل مع أصول النشأة وتتماثل مع فصول التنشئة وتقاسيم تنبع منها ايحاءات «اللطف» وتشع وسطها «إيماءات» العطف وكاريزما تقترن بالأدب الوثيق وترتقي بالتهذيب العميق وبصوت ذي نبرة «هادئة» تتقاطر منه العبارات الحجازية في مجالس قومه وتتسطر فيه الاعتبارات اللغوية في مواطن حرفته ..ولغة فصيحة وحصيفة ترتقي بأصل الجواب وفصل الخطاب» ومحيا موشح بالأناقة يتكامل على شخصية قوامها «التمكن» ومقامها «التمكين» كان «القلم» سلاحها و»الحرف» فلاحها قضى الدندرواي أكثر من نصف قرن وهو يشعل «الضياء» في مسارب «الصحافة» ويغترف «العطاء» من مشارب «الثقافة» ويرتب «مواعيد» الرؤى على أسوار «المقالات» ويجهز «بشائر» التطوير على أوراق «الصحف» صحافياً وكاتباً وناشراً وأديباً ومثقفاً اقترن اسمه بعطر «السيرة» وتقارن صيته مع عبير «المسيرة».
في مدينة «قنا» المصرية العريقة المقيمة في «قلب» الآثار وُلد عام 1934 وسط أسرة اشتهرت بالعلم وانشهرت بالمعرفة ومن سلالة عائلة عريقة حطت رحالها في مكة المكرمة مجاورة بيت الله العتيق منذ عقود والتي ترتبط بسراج بن علي بن أحمد عنقا وتتكون من بيوت «آل الشرقاوي وآل حفني وآل الدندراوي وآل بساط البيه» وتفتحت عيناه على والدين كريمين علماه «أصول» التربية و»فصول «التوجيه وظل يرصد» خرائط» المآثر بين أب وجيه وأم حنونه وأجداد وأخوال وأعمام كانوا بمنزلة «إشعاع» من القدوة نثروا في دروبه «درر الاحتذاء»..
ترسخت في ذاكرته وتفتقت في مخيلته مناظر «الأدباء» في قاهرة المعز وهم يقيمون بين المهمشين والبسطاء متأبطين أوراقهم المشتعلة بهموم الناس والمتقدة بقضايا العامة، فظل يجهز بروفاته «الخاصة» كل مساء في كشكول «خاص» كتب فيه خربشات البراءة وسجل وسطه أمنيات العفوية وذيله بتوقيعات «طفولية» ظلت واجباً يومياً اختيارياً يضعه أمام «أعين» والديه كل مساء.
تعمقت في ذهنه باكراً «دروس» تاريخية ملأ بها والده قلبه عن الفروض والفرائض، وظل يرتمي في أحضان والدته غامراً مساءها بإلحاح الصغار عن تفاصيل الغد ومضى يمطر اجتماعات أسرته بأسئلة «نبوغ» باكر كان حديثًا ذا شجون وحدثًا ذا متون، فغرس والده في داخله «بهجة» العلوم و»مهجة» المعارف فانتسب في مدارس «الأزهر» الشريف مكللاً بوجاهة الأسرة ومجللاً بأصالة المرحلة، وكان يجمع «قصاصات» المجلات المصرية العريقة بين دفتي كتبه في ارتباط «أول» وترابط «أمثل» تحول إلى محفل استثنائي كان يملأ به وجدانه حباً في الكتابة ورغبة في التأليف.
أكمل دراسته ثم طار إلى أمريكا ونال درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة ميتشيغان. وعاد إلى مكة المكرمة التي تنفس هواءها «النقي» وعشق ثراها «الطاهر».
حيث جالت نظراته في «فضاءات» الموهبة واضعاً «خيارات الهبة» أمام «الطريق» العملي فوجه «بوصلة» حياته المهنية نحو صحيفة الندوة ليبدأ كمحرر مساعد عام 1959 وعمل بجد ونشاط حتى ترقى إلى منصب سكرتير التحرير. وكتب فيها مقالات عدة سياسية ودينية كانت بمنزلة «الاقتدار» الباكر و»الاشتهار» المبكر. ورغبة منه في التعلم والتميز عمل مديراً لقسم المكتبات في وزارة الحج والأوقاف في الفترة (1963- 1964).
ثم انتقل للعمل في صحيفة «المدينة» وشغل منصب مدير التحرير فيها (من 1966 إلى 1975) وتمكن في تلك الفترة إلى تطويرها بشكل لافت ومذهل وتدرب على أيديه عدد من من الصحافيين الكبار مثل أحمد محمود ود. هاشم عبده هاشم، وسباعي عثمان، وعلي حسون، ومحمد صادق دياب، وعبد العزيز النهاري وغيرهم.
وإلى جانب عمله التحريري والإشرافي فقد كانت له عموده الشهير «الفلك يدور»، حيث ظلت هذه الزاوية اليومية الثابتة منبعاً لا ينضب من «الحراك» التوجيهي و»الطرح» الوجيه في قضايا الساعة وهموم الناس وتداعيات الأحداث، وكانت «خلطة» سرية و»توليفة» جهرية من الأبعاد السياسية والدينية والاجتماعية ونظير كفاءته في «الركض» اليومي بأنفاس أصيلة حصد عام 1995 جائزة علي وعثمان حافظ الصحفية.
كما أنه كتب المقال الأدبي والنقدي أضافة إلى عمله البديع في ترجمة التقارير والاستطلاعات من اللغة الإنجليزية للعربية ونشرها.
وفي عام 1961 أسس الدندراوي «الدار السعودية للنشر والتوزيع» والتي كانت لها بصماتها «الجلية» في الإنتاج الأدبي والفكري والثقافي، ثم أسس «وكالة مكة للإعلام» التي حمل ترخيصها الرقم واحد، والتي تولت إصدار المجلات والدوريات المتخصصة الحكومية والخاصة، وخاض الدندراوي تجربة النشر المتخصص في لندن، وأصدر خلال الثمانينات مجلة «أرابيا» الإسلامية باللغة الإنجليزية، وشارك آخرين في تأسيس «مؤسسة يثرب للأجهزة السمعية والبصرية»، وتولى منصب المدير الإداري لوكالة المروة للدعاية والإعلان، وأسس «شركة الاتصالات الدولية». ومن المطبوعات الأخرى التي تولى إصدارها مجلات «أموال»، و»الحج»، و»البيئة»، و»تجارة مكة» ومجلة غرفة جدة الصناعية ونشرة «سعودي رفيد» باللغة الإنجليزية، ومجلة الخطوط السعودية الشهيرة «أهلاً وسهلاً» وأول مجلة صحية سعودية متخصصة باسم «صحتك اليوم».
في عام 2010 أصيب بنزيف في الدماغ ونُقل إلى أمريكا للعلاج لمدة عام ثم عاد إلى وطنه وانتقل إلى -رحمة الله - في أغسطس 2011 عن عمر 77 عاماً، وصُلي عليه بالمسجد الحرام، ودُفن في مقابر المعلاة.
نعته الأوساط الإعلامية والثقافية والوسائط الوطنية والمهنية وعزا فيه رفقاء الدرب وزملاء المشوار وأصدقاء الحرف، وظلت الأماكن التي سار فيها والقلوب التي أسعدها والنماذج التي علمها «إضاءات» مشعة في «عوالم» العرفان والامتنان نحو ما قدمه وما تركه وما رسخه في «الضمائر» و»المصائر»..
محمد صلاح الدين الدندراوي الصحافي الرزين والكاتب المكين الذي ملأ فضاء «التأثير» وأبقى إمضاء «الأثر».