عمر إبراهيم الرشيد
لا تخفت أصداء قصة أو خبر من قصر بكنغهام إلا وتتبعها أخرى وهذا هو المعهود منذ أكثر من أربعين عاماً، أقصد من ناحية تتابع تلك القصص، ولقد بدأت هذه السلسلة بالأمير تشارلز سابقاً والملك حالياً وطليقته الراحلة ديانا سبنسر، ومازالت تلك القصص تتوالى منذ ذلك الحين. الأمير هاري بدأت قصته مع أسرته الملكية بزواجه من خارج الوسط الارستقراطي حين اقترن بممثلة أمريكية، عجزت عن مراعاة بروتوكول القصر الملكي وهذا متوقع من أمريكية ومن الوسط الفني المسمترىء للتمرد باسم الحرية الشخصية وحسب الثقافة الأمريكية التي تكره الالتزام والقيود غالباً. وكان الأمر الحاضر المشترك في تلك المغامرات والفضائح هو نشرها، وآخرها نشر الأمير هاري قصته مع أفراد أسرته الملكية عبر كتابه (احتياط) وأدق أسرار حياته الشخصية، ومنها قتله خمسة وعشرين من الأفغان ابان غزو أفغانستان من قبل أمريكا ومعها بريطانيا وغيرها. ولم يجد الأمير هاري حرجاً بالتصريح عن علاقته الجنسية الأولى له، وعراكه مع شقيقه الأمير وليم وغيرها مما يجده مستحقاً للتسويق عبر كتابه الذي طرح الأسبوع الفائت وحقق مبيعات بلغت 400 ألف نسخة مع بداية طرحه، ولم تحلم الدار الناشرة وهي دار بنغوين البريطانية الشهيرة بهذا الرقم في أول يوم من طرحه في الأسواق. وكعادة الشخصيات الشهيرة في ميادينها المختلفة، فإن الفضائح وادق الأسرار الشخصية تصبح مادة للتسويق والبيع مادامت تدر على صاحبها ومن ينشرها المال الذي يهون كل شيء من أجله حسب هذه النظرة.
هذا الرقم الهائل لبيع الكتاب في بداية طرحه يعد قياسياً كما قلت، ولقد تصدر الكتاب في موقع (أمازون) قائمة أكثر الكتب طلباً، فكيف اذا تمت ترجمته إلى معظم اللغات وهو ما ينتظره قراء العالم للاطلاع على خبايا وأسرار لم يكن بالحسبان نشرها. لكن التساؤل القديم الجديد يظهر دوماً في خضم هكذا مغامرات وقصص، وهو ما حدود الحرية الفردية لنشر أسرار وخصوصيات يفترض أن دونها أسواراً صلدة عالية، كونها تمس أسرة ملكية عريقة يجمع الغالبية العظمى من البريطانيين على أنها الرابطة التي تشكل مصدر استقرارهم سياسياً واجتماعياً وفخرهم التاريخي. لكن الجواب حاضر لمن يقرأ بين السطور وهو أن الحرية الفردية ضربت بالقيم الاجتماعية والبروتوكولات الملكية عرض الحائط، بل أصبح نشرها أمراً اعتيادياً ويجلب شهرة لم يحلم بها صاحبها، فها هو الأمير هاري بعد أن شعر بأنه خارج بيت الأسرة أقدم على هذه الخطوة التي أصبح معها حديث العالم ونشرات الأخبار ومواقع الإعلام الاجتماعي عبر العالم، أو ليس هذا ما ينشده هو وكل من يرى رأيه حتى ولو عن طريق بيع مثل هذه الأسرار؟. إلى اللقاء.