محمد سليمان العنقري
الإستراتيجية تعرف بأنها خطة طويلة الأمد للوصول لأهداف محددة وتمثِّل دائماً اللبنة الأولى للنهوض بأي عمل أو نشاط وبما أن القطاع الثقافي يعد أحد أهم مستهدفات الرؤية للتوسع بنشاطه وتحقيق أهداف عديدة منه فقد أطلقت هيئة الفنون البصرية إستراتيجيتها التي ترسم خارطة الطريق للقطاع الذي يقع تحت مسؤوليتها فالمأمول أن تصبح المملكة مركزاً إقليمياً للفنون البصرية وقد عرفت الهيئة الفنون البصرية ورسمت إستراتيجيتها وفق مقارنة بين واقع الفنون محلياً مع العالم لكي تسد الفجوة الموجودة للانطلاق بالقطاع ليكون نشطاً وفقاً لما وصل له العالم المتقدم بمجال الفنون البصرية الذي يعد مصدر دخل كبير في اقتصاداتهم بالإضافة للمكاسب الأخرى.
وقد حددت الهيئة إستراتيجية الفنون بالمملكة للوصول لأربعة أهداف أساسية تتمثَّل في «دعم استحداث فرص التعليم، ودعم توفير فرص التعاون بين المواهب، وتمكين أصحاب المصلحة، وتعزيز التواصل مع الجمهور من خلال أنشطة مجتمعية متنوعة». وتعد هذه الأهداف شاملة بالمفهوم الواسع لها لكن تحقيقها يتطلب أيضاً خطط تنفيذية لم أجد أي نشر لها فأهمية التوسع بتفاصيل هذه الأهداف هو ما يهم الفنان الذي يبحث عن كيفية الاستفادة من الجهة التي تعد المعنية بجل شؤونه فنياً وكذلك المستثمر من القطاع الخاص سوء بمجال المعارض الفنية أو الأكاديميات والمعاهد التعليمية وغيرها من الاستثمارات بهذا القطاع لكي يحدد توجهاته القادمة، فالهيئة ذكرت في الخبر المنشور رسمياً على وكالة الأنباء السعودية عند إطلاق الإستراتيجية في شهر سبتمبر من عام 2021م بأنها ستعمل على «تنفيذ أدوارها الرئيسة تجاه قطاع الفنون البصرية في المملكة، والتي تشمل تطوير الأنظمة المرتبطة بقطاع الفنون البصرية، واقتراح مشروعات الأنظمة والتنظيمات التي تتطلبها طبيعة عمل الهيئة وتعديل المعمول به منها»، فالمظلة التنظيمية ستحدد الكثير من توجهات الاستثمار بالقطاع والتوسع بنشاطه وهي بكل تأكيد تتطلب وقتاً وجهداً وتواصلاً مع كافة الأطراف من القطاعين العام والخاص وكذلك الفنانين بمختلف مناطق المملكة للخروج بأفضل التصورات حول مستقبل القطاع وما يحتاجه من تشريعات كما فعلت ذلك العديد من الجهات المعنية بقطاعات اقتصادية عديدة وهي مسألة لا تتوقف فدائماً تحتاج القطاعات والأنشطة بمختلف أنواعها لمراحعة الأنظمة الحاكمة لها وحتى الإستراتيجيات يتم مراجعتها بين فترة وأخرى للوقوف على ما يعيق تطبيقها أو الحاجة لتعديل بعض مستهدفاتها.
وبالنظر لما ورد بتصريح الهيئة عند إطلاق الإستراتيجية فإنها تسعى لتمكين حركة الفنون البصرية في المملكة ولتحفيز الاقتصاد الإبداعي ولكن ما هو لافت البرامج التي ستعمل الهيئة على تنفيذها، والتي بلغ عددها 12 برنامجاً ترى الهيئة بأنها ستطور قطاع الفنون البصرية والنهوض به من خلالها منها» برامج تعليم الفنون البصرية، ودعم التمثيل الفني وصالات العرض وشركات المزاد، ورعاية الفعاليات، وتمويل الفنون وتحفيز الطلب عليها، ودعم وتحسين حقوق الفنانين المهنية» بالإضافة لبقية البرامج التي بعضها يحتاج لشرح لأطراف السوق الفني لإيضاح القصد منها، فبعد عام وأربعة شهور من إطلاق الإستراتيجية هل أصدرت الهيئة تقريراً يوضح النتائج المتحققة من تفعيل تلك البرامج تفصيلياً وهل فعلياً أطلقت جميعها فعلى حساب الهيئة في تويتر ومنذ إطلاق الإستراتيجية حجم نشاط الهيئة شمل عدد من الفعاليات ما بين معارض ومهرجان شفت22 بالإضافة لبرامج منها التوعية بالفن ومؤتمر الفن الرقمي وعدد من اللقاءات المفتوحة والندوات، وكذلك برنامج فنانو الغد الذي لا يبدو واضحاً فكيف يمكن التعرف مثلاً على إعطاء الفرصة لطلاب التعليم العام للتسجيل فيه في منصة واحدة وعددهم سبعة ملايين فإذا كان منهم واحد بالمائة مهتمين بالفنون البصرية فهذا يعني تسجيل سبعون ألفاً فكيف سيتم اختيار المواهب أو دعمهم وهل البرنامج وصل لكل المدارس والطلاب ومعلميهم فالاستبيان على حساب الهيئة المخصص لهذا البرنامج بتغريدة بمارس 2021 لمعرفة الميول لم يشارك فيه إلا 105 مشاركين وهو عدد قليل جداً قد يعكس عدم وصول البرنامج أو الاستبيان لأكبر عدد مهتم بالفنون البصرية من الطلاب كما قالت الهيئة انه تندرج تحت هذه البرامج 43 مبادرة داعمة للقطاع، منها: مبادرة دعم تحسين مناهج تعليم الفنون البصرية بكافة المراحل بالتعليم العام وغيرها من المبادرات وهنا لابد من السؤال متى يمكن تحقيق ذلك وهل هناك جدول زمني لها فهي بكل تأكيد تتطلب جهداً كبيراً مما يعني أن خطط الشراكات والتعاون من المهم تعريف المعنيين بها للاستعداد للمرحلة القادمة خصوصا القطاع الخاص فالمسح الذي ورد بتقرير الحالة الثقافية أظهر إقامة المعارض التجارية وكذلك المؤسسات غير الربحية لمئات المعارض في العام 2021 وهو ما يعني قدرتها على المساهمة الفعالة بنشر ثقافة الفن فالعمل على إصدار إحصاءات واسعة عن نشاط قطاع الفنون البصرية وحجم اقصاده مهم جداً لقياس مدى زيادة الاهتمام والانتشار فالمستثمر يبحث عن هذه المعلومات وكذلك الفنان
وجود إستراتيجية لقطاع الفنون البصرية بكل تأكيد خطوة أولى بالاتجاه الصحيح للوصول بالثقافة والفن السعودي وتعزيز دوره بالقوة الناعمة دولياً بالتزامن مع زيادة النشاط والاهتمام محلياً ولكن يبقى للسياسات وتحديد الممكنات والحوكمة دور رئيسي في تحقيق أهداف الخطة وتنفيذ برامجها ومبادراتها فاطلاع الفنانين والمستثمرين ومشاركتهم بخطة الهيئة وفق الأدوار المناسبة لهم سيعزز من فرص تحقيق الإستراتيجية لأهدافها بنسبة عالية وهذا يتطلب دوراً اتصالياً وإعلامياً كبيراً من الهيئة للوصول بأفكارها ورؤيتها ومستهدفاتها لكافة شرائح المجتمع لزيادة التفاعل والمساهمة بنشر ثقافة الفن وريادة دوره بالناتج الإجمالي للاقتصاد الوطني.