تعتمد العلاقة بين العالمين الغربي والشرقي بشكل كبير على استقرار الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز وباب المندب بسبب موقعهما الجغرافي المركزي عند تقاطع الطرق بين أوروبا وآسيا وأفريقيا. كما تعتمد العديد من الدول الغربية على العلاقات التجارية مع المنطقة العربية، وخاصة دول الخليج العربي.
علاوة على ذلك أجبر الركود الاقتصادي الذي يشهده العالم العديد من البلدان على إعادة التفكير في التوازنات الجيوسياسية. ورغم أن الإدارة الأمريكية على سبيل المثال قررت الانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط، فإن التداعيات الاقتصادية ستجبرها على إعطاء الأولوية للاستقرار في المنطقة واليمن على وجه الخصوص، كما تحاول العديد من الدول الأوروبية أيضًا القيام بذلك في سباق لتأمين ممرات التجارة الدولية وتعزيز دورها الرائد في الملاحة البحرية على طول هذه الطرق المهمة.
المفارقة هنا هي أن الصين تدرك تمامًا أهمية هذه المنطقة وتسعى لاستعادة مجدها العالمي من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية، والاستثمار في جيبوتي وتنفيذ مشاريع البنية التحتية الضخمة هناك استعدادًا لفرض نفسها تدريجياً على المنطقة مع تقويضها للفرص المتاحة للولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص.
تشير التقديرات الاقتصادية إلى أن الناتج القومي الإجمالي لمنطقة البحر الأحمر سيتضاعف ثلاث مرات بحلول عام 2050، من 1.8 تريليون دولار إلى 6.1 تريليون دولار.
على الرغم من هذه الإمكانات تشير التوقعات الاقتصادية المستندة إلى البيانات الحالية إلى أن الاستثمار في التجارة العالمية من خلال هذا المسار لن يزيد كثيرًا خلال العقود القادمة بسبب عدم الاستقرار في المنطقة.
يمكن أن تتغير هذه التوقعات بشكل كبير إذا كانت هناك جهود مشتركة لتأمين المنطقة مما قد يؤدي إلى زيادة حجم التجارة العالمية عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب أكثر من خمسة أضعاف بحلول عام 2050 من 881 مليار دولار إلى 4.7 تريليون دولار.
وعلى الرغم من المبادرات العديدة لمكافحة الأنشطة الإرهابية التي تهدد العمليات البحرية في البحر الأحمر ومضيق هرمز وباب المندب، فإن العالم الغربي يتعامل فقط مع الأعراض وليس مع جذور المشكلة في المنطقة، وما ينبغي القيام به ببساطة هو تبني الاستراتيجية المعروفة باسم نظرية المنبع التي تتعامل مع الأعراض للوصول إلى الأسباب الجذرية للمشكلة.
في 8 نوفمبر 2022 اعترضت البحرية الأمريكية سفينة إيرانية تحمل مواد تستخدم في تصنيع الأسلحة أثناء توجهها إلى اليمن، وبحسب الخبراء اكتشفوا وجود 70 طنا من كلورات الأمونيوم المستخدمة في تصنيع وقود الصواريخ الباليستية و100 طن من سماد اليوريا المستخدم في صنع المتفجرات، وأعلنت القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية حينها في بيان أن السفينة تشكل تهديدًا للملاحة التجارية وأمن المنطقة، وتخلصت من محتوياتها وأغرقت السفينة بعد أن سلمت طاقمها اليمني إلى خفر السواحل اليمني.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اعتراض مثل هذه الشحنات، فمنذ عام 2015 اعترضت البحرية الأمريكية عدة سفن تحمل شحنات أسلحة مختلفة ومكونات لتصنيع الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار. وفي وقت سابق من العام الجاري أُعلن أيضًا أن سفينة مماثلة من الصومال تحمل شحنة من اليوريا كانت في طريقها إلى الحوثيين.
وفي أوائل عام 2022 استولت البحرية الملكية البريطانية على سفينة إيرانية محملة بالصواريخ في خليج عمان كانت متجهة إلى الحوثيين، وبتقييم محتويات السفينة تمكن خبراء المتفجرات من ربطها بالهجوم الذي نفذه الحوثيون على العاصمة الإماراتية أبوظبي في يناير 2022.
لقد رأينا كيف أطلق الحوثيون في عام 2016 صواريخ على البحرية الأمريكية بالقرب من باب المندب، وزرعهم ألغاما بحرية عشوائية في المياه الإقليمية، واستخدامهم لزوارق مفخخة يتم التحكم فيها عن بعد لمهاجمة المخا في البحر الأحمر عام 2017، ومهاجمة السفن السعودية في ميناء الحديدة عام 2018، ومؤخرا هاجموا موانئ يمنية في شبوة والضباء بمحافظة حضرموت، واستهداف ناقلة نفط في شبوة في نوفمبر 2022.
كما تابعنا قيام إيران باستخدام طائرة مسيرة محملة بالقنابل لاستهداف ناقلة النفط «باسيفيك زيركون» قبالة سواحل عمان في 16 نوفمبر 2022 مما تسبب في أضرار طفيفة في هيكل الناقلة في محاولة للتأثير على إمدادات الطاقة خلال أزمة عالمية إلى جانب مساعيها لفرض شروط على المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني وتمرير سياساتها التوسعية في المنطقة.
نتوقع أيضًا كارثة بيئية تلوح في الأفق مع الناقلة العملاقة المتهالكة صافر المتوقفة قبالة الساحل اليمني على البحر الأحمرالتي سيكلف إصلاحها ما يقرب من 80 مليون دولار.
ومنذ عام 2015 منع الحوثيون فريقا تقنيا تابعا للأمم المتحدة من الوصول لتقييم وضع تلك الناقلة وبدء الإصلاحات المطلوبة.
لقد أصبح واضحا أن سيطرة الحوثيين على أجزاء من اليمن يتم بدعم من إيران وخرق لجميع الاتفاقيات بما في ذلك اتفاقية ستوكهولم والهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة، وسوف تقوض هذه السيطرة كل جهود التهدئة والسلام وتنتهك جميع القوانين والمواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن. وهذا لن يشكل خطرا على اليمن فقط بل سيهدد سلامة السفن التجارية وأمن الممرات الملاحية الدولية.
في أبريل 2022 تم تشكيل فريق أمني جديد من القوات البحرية الأمريكية والبريطانية مع دول حليفة أخرى لمراقبة البحر الأحمر واستقرار الملاحة وتأمين خطوط التجارة الدولية المهمة عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن.
منذ مايو 2022، دعت عدة دول أوروبية بقيادة فرنسا إلى تمديد صلاحيات بعثة الإشراف الأوروبية على مضيق هرمز التي شكلتها ثماني دول أوروبية مطلع عام 2020 لتشمل البحر الأحمروالمحيط الهندي عبر مضيق باب المندب.
تكمن أهمية هذا المسار في حقيقة أن 10% من التجارة العالمية تمر عبر هذا المضيق، ومن المتوقع أن تزداد بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ومقاطعة النفط الروسي تحاول الدول الأوروبية إيجاد إمدادات نفطية بديلة، فاتجهت إلى الخليج العربي، وهو الخيار الأفضل من حيث الوفرة والبنية التحتية.
علاوة على ذلك أبرمت إيطاليا وألمانيا صفقات جديدة مع قطر، وفعلت فرنسا الشيء نفسه مع الإمارات، ولا يقتصر الأمر على النفط فقط، بل هناك تفاهمات للتعاون بين أوروبا والخليج العربي فيما يتعلق بالطاقة النظيفة امتداداً للاتفاقيات السابقة بشأن الهيدروجين الأخضر بين الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
بالإضافة إلى الدور النشط الذي يقوم به التحالف بقيادة السعودية في تأمين الممرات الملاحية الدولية في البحر الأحمر وباب المندب وإحباط عشرات الهجمات الإرهابية التي خطط لها الحوثيون في السنوات الثماني الماضية باستخدام قوارب مفخخة يتم التحكم فيها عن بعد والألغام البحرية، وكلها تقنيات عسكرية مستوردة من إيران.
بدلاً من تشكيل المزيد من المبادرات وإنفاق الملايين والجهد الكبير في حماية الممرات الملاحية التجارية يجب على القادة الأمريكيين والأوروبيين المعنيين على وجه الخصوص تكريس الجهود لدعم مجلس القيادة الرئاسي اليمني والحكومة الشرعية التي تمثل اليمن بالكامل سياسيًا واجتماعيًا مما يساعده على فرض السيطرة وإرساء الأمن والاستقرار على طول الشريط الساحلي في اليمن.
هذا بالإضافة إلى تقييد الحوثيين وقدراتهم العسكرية، وهم الذين شاركوا مؤخرًا في الحرب الإيرانية غير المعلنة على البنية التحتية للطاقة والمنشآت والموانئ وناقلات النفط في المياه الدولية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية وإدراجهم في قوائم الإرهاب الدولية، وتجفيف المصادر المالية والسياسية والإعلامية للحركة، وسن القوانين التي تفرض عقوبات على قادتها وتجميد أصولهم وتحظر عليهم السفر.
الأدلة موجودة والحلول مطروحة على الطاولة.
هل تستطيع الولايات المتحدة والدول الأوروبية التعامل مع الأسباب الجذرية للمشكلة، أم أنها ستستمر في إضاعة المزيد من الوقت في التعامل مع الأعراض؟
***
معمر الإرياني - وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني/ نقلا عن «ميديا لاين»