د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
نتساءل ما هي النقطة الحدودية التي يلتقي عندها الموروث الثقافي السائد مع التحولات الوطنية المنطلقة حالياً نحو صناعة التنمية المستدامة, وهل يؤصل المنتج الثقافي اليوم لمفهوم الهوية الوطنية كمفتتح لصياغة الدروب التي تجمع منائر ثقافتنا ومنصاتها في فضاءات بلادنا السعودية الواسعة, فالثقافة بمفهومها الشامل «المعرفة والمنجز وحاجة الناس» وجميعها تُرسخ مفهوم الهوية الأعلى واليوم في بلادنا حزم ثقافية مشهودة لابد لها من وشاح نقدي واسع يغوص في كل نواتجها حيث بات التركيز على الهوية مهماً للغاية في البيئات واللهجات والإيقاعات الشعبية والعادات الشعبية من الملبس والمأكل التي يتعلقها الناس ولن تكون الثقافة قائداً للمرحلة دون بساط ثقافي من جذورنا لتعمل على استمرار خضرتها وينعها وتحميها من ذوبان الهوية.
إن ثقافتنا تزدهر وتُزْهِر طويلاً إذا ما وضعتْ في شرفات نوافذنا، متسقة مع جذورنا المخضبة بتراب الوطن الباعثة على الحياة المبهجة {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (القصص 77).
والماثل أمامنا أن وزارة الثقافة الجديدة في زمانها والعريقة في محمولاتها وتنوع مخزونها جاءت مظلة وطنية لتنسيق وتأطير وتطوير بيئات التنوع الثقافي في بلادنا الذي يدور في حماه ومرتبعاته وذلك لأن وزارة الثقافة مركز إداري تنظيمي وليست مركزاً ثقافياً إلا من خلال تنظيم الواقع الثقافي وترقية مستويات الاستفادة من كل العقول الوطنية، وتهيئة البيئات الحاضنة للمشروع الثقافي الكبير واستنطاق الموجود الثقافي واستيعاب أثره وثرائه واقتناص الفرص المجزية في التنوع الثقافي المناطقي، وصياغة اليقين بدخول الوعي الثقافي لكل منصات العرض المجتمعي بدءاً من الأفراد والأسرة والحي والشارع، وكم أسعدتنا الإستراتيجية التي أطلقتها وزارة الثقافة ووزارة التعليم في نهاية العام الماضي 2022 وأحسبها مختتماً مكيناً متيناً حيث استهدفت تعزيز دور وزارة التعليم في استكشاف المواهب ودعم الإبداع الفني وتزويد المتعلمين بتعليم تأسيسي في الثقافة والفنون ليكون تطوير ثقافة أجيال المتعلمين في مؤسسات التعليم المختلفة أولوية لوزارة الثقافة من خلال بناء برنامج وطني عالي المكونات عملاق في أهدافه، يضم في ثناياه نظاماً لتحفيز الوعي والإبداع الثقافي بين المتعلمين وكذلك يستحدثُ في إطار البرنامج قوالب مقنعة للأجيال الشابة لصناعة المحتوى الثقافي العام والأدبي وفِي كل شأن يجعل الأجيال الجديدة عضواً فاعلاً في تأسيس وبناء المشروع الوطني الثقافي ونستشرفُ أن تكون وزارة الثقافة مانحة لذلك المشروع الوطني ومشرفة على تنفيذه فالثقافة مكملة للعلم والمعرفة ومتممة لهما وأن تكون تلك الإستراتيجية وإتمام بنائها من أولوياتها فمن خلالها يؤسس لمستقبل الثقافة قياساً على ما يشكله المتعلمون الشباب ومن خلاله تظهر المشتركات الثقافية ومن خلاله أيضاً يتحقق الوصول إلى الخصوصية الثقافية وهناك مكتسب أثير وهو تحفيز صناعة الرموز الثقافية من الشباب في كافة الحقول ومن ثم تمكين الشباب من قيادة العمل الثقافي والتعامل معه ومن خلال ذلك ينخرط الشباب في المشروع الثقافي الوطني، وفِي رأيي أن العباءة التعليمية العامة والأكاديمية لن تستوعب مصطلح الثقافة الشاملة التي تقيس مستويات التطور الثقافي وما يميز الحضارات ذات النسق العالي من الثقافة وهي في مجملها تراكم للوعي العقلي والفكري إلا بتآزر متين مع وزارة الثقافة، وموقع بلادنا اليوم وواقعها الجلي الذي اقتحم سكون الثقافة فضخيها حراكاً لافتاً من الفنون الجميلة إلا أنه مازالت هناك أرصدة ثقافية أخرى مجمدة تنتظر الإفصاح عنها وحوكمتها؛ والملحقيات الثقافية السعودية في بعض دول العالم الشقيقة والصديقة تنتظر أواصر مختلفة من وزارة الثقافة لتحسن في مواقعها تشكيل الصورة السعودية في الخارج كل ذلك مما يجب الامتاح منه وإعادة صياغته ليتحقق الترابط بين البنية الثقافية والمعرفية والمجتمع والعالم.