حاورتها - مسعدة اليامي:
تكشف لنا الأديبة الجزائرية، مهدية رابح دحماني، جمال الألم في سرديات كنزة الصادر عن نادي أبها الأدبي، الواقع في 428 صفحة،كما نشر للعمل مجموعة من المقاطع الصوتية، وكشفت لنا أن العمل تدفق بيسر دون أن تتبع أي منهجية صارمة أثناء الكتابة الإبداعية
«الفطرية» المتجلية في سلاسة الحوارات مع النساء كبيرات في السن..اللواتي تحدثن باللهجة الدارجة، فكانت كما هي بجمالها دون تكلف.. فإلى تفاصيل اللقاء.
أين اكتشفت موهبة الكتابة الأدبية تحت ضوء قمر الجزائر أوالسعودية؟
لا أذكر أن هناك مَعْلما - ما - يحدد ذلك..الكتابة لديّ خارج الدوائر الزمكانية.. كتاباتي ارتبطت بإصبع الطباشير قبل أن أتعلم القراءة والكتابة والتي هي يقينا مَاهِية..كنت أعبّر عن خاطرتي برسم دوائر وخطوط ألوّنها مما يوحي بأنها لم تكن مجرد كتابة تعبيرية، ربما كانت بدافع إيحاء أدبي وكأنها تُوحَى إليّ من فطرة الإنسان الأول.
كيف امتلكت القُدرة على قِيادة دَفة الإبداع ما بين الكتابة،والترجمة، وأيهما أكثر تعباً و متعة؟
الترجمة هي احتراف وتَمهّن، فأكيد هي مجال جاف، وخاصة حين تكون في مجال تعليمي (بيداغوجي) بَحتٍ فتُخضِعك للآلية والتّقيُّد بمقاييسها الصارمة والموضوعية العلمية التي لا تترك لك فضاءات للإبداع حتى لو كانت في مجال الأدب والجمال، فالمترجم مقيد بالمصداقية وشيء قليل فقط من الخيانة العذبة حين يحاول ألا يُفقِد الصورة جمالها والمعاني حرارتها والقوافي مَوْسيقيّتها والرمز دلالته التي تختلف من ثقافة إلى أخرى،أما الإبداع هو ملكوت حر للمبدع، ولذلك لا يحتاج إلى جهد للفصل بين الترجمة حين تكون مهنة والإبداع كفضاء حر لا يستدعي التكيف مع القيود..طبعا الإبداع هو كل المتعة.
الكتابة لا تتوقف على الموهبة حسب معرفتي، ما الذي تحتاجهُ الموهبة السردية حتى تتصف بالنضج من وجهة نظرك؟
الكتابة الإبداعية السردية هي ذلك النسيج المُتشكِّل من موهبة وعوامل تراكمية تصقل أسلوبا جذابا يفرض نفسه في الساحة الأدبية فيُصنَّف أدبا سرديا قائما بذاته يستوفي كل مقومات السرد تلقائيا، يقود الحروف والكلمات قَلما وخيالا وأفكارا في عمليات ذهنية عُليا متداخلة عفوية تلقائية دون أن يَستشعر الكاتب ويستحضر المقاييس والقوانين كما نفعله في حل المعادلة في الرياضيات والعلوم التطبيقية بصفة عامة.
ما هي الطقوس التي تحيط بك عند القراءة وأثناء الكتابة..؟
القراءة كانت دوما كمراحل العمر، تختلف أجواؤها..قراءة ومطالعة للتحصيل ونحن طلاب ، ثم قراءة للتّعلّم واكتساب الخبرات في مجال التمهن ، وكلاهما يحتاج إلى الانعزال وأجواء جادة وتركيز..تأتي بعد ذلك القراءة الحرة التي نقرأ فيها ما نختاره وما يروق لنا وذلك حين يتوسطنا العمر، فنختار المكان في القطار.. في الباص.. في الشرفة.. في أي مكان، المهم نحن غير مقيدين فيها بزمن محدد ومكان محدد كما كانت قراءاتنا للتحصيل اللغوي والعلمي.أما الكتابة فمررتُ فيها بمراحل،كتابات أولى في إطار المجلات المدرسية ، وبعد ذلك في المجال التعليمي والنقابيّ ، أما الكتابة الإبداعية حين بدأت تنضج أُسِرتْ بتابوهات وقيود ، لتزامنها مع العشرية السوداء للإرهاب في الجزائر، فكتبت في الخفاء ، وأخفيت كتاباتي في غياهب الأدراج حين وعدت أُمّا ترقّبتْ ميلادي عشرين عاما وعدتُها ألا أكتب حتى لا أُغْتالَ كالكثير من زميلاتي،كتبت في الخفاء في غسق ذلك الزمن الدامي في الجزائر، وضربت بصفحاتي في أبعاد،أبعاد ضلالات ذلك الزمن الذي وُئِدتْ فيه الأقلام في الجزائر.
وهل لك إنجازات أدبية نفذت كتابتها في دولة الجزائر؟
كل كتاباتي التي ولدت في الجزائر كانت في تلك المرحلة الدامية التي تكلمت عنها، نصوص كأنها مجنونة باللغتين العربية والفرنسية أخفيتها عن الجلاد وعن والدتي، جمعتها وأخفيتها عنها،حملتها في جيوب حقائبي إلى المملكة العربية السعودية وحين توفيتْ والدتي وصرت في حل من وعدي لها أعتقتُ صفحاتي لترى النور هنا، كتابات بعمر الوجع في الجزائر.
ماذا تحتوي المكتبة الخاصة بك من قطائف،ولطائف،ونفائس الكتب؟
مكتبة شاعر ومترجمة ومكتبة معلم ومعلمة ، ومكتبة كاتب وكاتبة..بها كل ما يسع هذه المجالات ، وما يقترب منها من كتب في العلوم الدينية والإنسانية وا لروايات والقصص والدواوين..بها حيز لمختلف الأبحاث، كل الكتب فيها يُصنّف غالبها إلى العالم الأدبي حتى الباب الخاص بالفرنسية والإنجليزية أدبية بحتة ، تُضاف إليها دواوين الشاعر وكتبي التي تنتبذ رفوفا صامتةً بحكم فرَمان قاهر أقَرّ كساد الكتاب في عصر الصفحات الزرقاء والكتاب الرقمي.
وأي أنواع الكتب التي تحرصين على قراءتها، الثقافات والاختلاف،هل لامسْتِ ذلك الأثر من القراءة والتجربة،وهل الاختلاف يولّد حبَّ وشغفَ البحث عن المعرفة عِندك؟
في هذه المرحلة من العمر وأنا في حل عما أُجْبِرنا على قراءته كما كنا نفعل أيام الدراسة وبعدها لصقل الوظيفة والتمكن من التميز أقرأ ما يجذبني وما يَفْرض عليّ الاهتمام بجماله وأسلوبه الجيد الوظيفي والمُنمّق الذي يتضمن فكرا ومعلومة علمية ثقافية، أي الكتاب الذي يمنحني المعلومة ذات المصداقية، بصفة عامة النص الذي يفرض نفسه ويغمسني في تركيز عميق.
أما الاختلاف فهو المحرك الذي يجعلنا نطلع ويُشكّل لدينا تقبل الآخر المختلف،الاختلاف لديّ هو تراكم وتأثير لا شعوريّ لتنوع الثقافات والأعراق والتضاريس والأقاليم في الجزائر البلد القارة بين ساحل وجبال وسهول والواحة والصحراء الكبرى،إضافة إلى التنقل بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط بين أوروبا وشمال إفريقيا بحكم الموقع الجغرافي ولكوننا من شعوب العالم القديم.
عند عمر معين تنتفض الذاكرة عند الكاتب، فهل ذلك نتيجة ثقافة وثقافة أخرى مختلفة، كما فعلتِ في كتابك (سرديات كنزة)؟
كما ذكَرت سابقا لا أعلم مواقيت كتاباتي. وُلِدت وأنا أكتب، وكان ذلك كإسقاط أنثروبولوجي نابع من فطرة الإنسان في ترسيخ عبوره من هذه الأرض، كنت أرسم دوائر وخطوطا و(شخبطة) على أي سطح يصادفني تعبيرا عن أمرٍ - ما - ينتشي من خاطرتي.كتبت كما كتب الإنسان الأول من وحي غريزة التعبير، كتبت على فساتيني (بالشخبطة) ، وعلى أشجار الزيتون والصنوبر في بستان أبي، (بالشخبطة) حتى على وجوه الأطفال في حيّنا،كتبت بالرموز الفطرية قبل أن أتعلم القراءة والكتابة.
(كنزة) هل ذلك العمل عبارة عن يوميات مشاهد حفرت في الذاكرة، سيرة ذاتية للمرأة ما بين حياة الحرب والحب والسلام؟
(كنزة) هي كل ذلك. كنزة كتابة واقتباس لتفاصيل التفاصيل اليومية والتاريخية والثقافية للمجتمع الجزائري والسعودي،كتبت (بو لحاف) والشيخ الحكيم.. كتبت هذا الرجل رمز الأصالة كما قرأتها في قراءاتي عن أرض (الأزد).. كتبت (وُمّيْ فاطمة) و(وُمّي نالة وهيلة وحليمة) كما التقيتهن في كتب التاريخ وشغفت بهن..سيدات عربيات شيمات هنّ عماد البيت والقبيلة والمجتمع..سيدات كتبتهن حين لاقيتهن هنا في المملكة كما حضرن معي في الكتب لم يختلفن عن المرأة العربية التي قرأتها رمزا..كتبت (السّي عبد القادر) الرجل الجزائري وهو المجاهد والثوري والشهيد عبر تاريخ المقاومة الشعبية والنضال.كتبت هذا البطل الذي يتربع في كل بيت جزائري. كتبت (كنزة) وهي البنت الجزائرية. كنزة هي جدتي ووالدتي وأختي وصديقتي ومعلمتي وبنتي وأنا.. كنزة هي كل جميلات الجزائر استُنْسختْ من شجاعة وأصالة (جميلة بوحيرد) و(لَلاّ فاطمة نْسُومَرْ – لَبْؤة الجبل-).
كتبت (كنزة) كتابا في سرديات قصة ورواية ومسرح أسْطرتُ فيها الآلام والأوجاع حتى لا أُثقَل على جيلٍ آلَ غالبُهُ إلى وجعِ أطفالِ الحروب، وزدت الأفراح فرحا لأُخرج الألمَ من ذاكرة الحزن في زمننا، كتبت كل التاريخ والتفاصيل التي تعبرني وتمارسني.. رسّختُ التاريخ كما يجب أن يُكتْب سردا ليّنا سلسا خاليا من الأبطال الوهمية أيقونته (كنزة) ترفل من الأرض إلى السماء ، تدفعني دروب وطرقات عُبّدت في أسلوب سردي تلقائي لم أَتعمّد فيه كتابة كتاب.لم تكن (كنزة) كتابة مع سبق الإصرار والترصد ،هي تدوين عفويّ دون قصد.كتابة لصفحتي في (الفايس) فقط.
اللهجة المحلية الجزائرية وكذلك اللهجة المحلية لمنطقة عسير كانت مثل حبات اللؤلؤ المنثور بدقة في السرديات.ألم تترد في كتابة ذلك وخاصة أنها لن تكون مفهومة وواضحة عند الكثير من القراء؟
اللهجتان نبعتا من رصيد لغوي فرض نفسه..في بدايات كتاباتي كنت أعيد كتابة ما كتبته باللغة الفرنسية، أعدت كتابته كتابة موازية،أما ما كتبت مباشرة باللغة العربية فهذا النمط المتداخل من اللهجتين تَشكّل في أسلوبي دون أن أفتعله، كان قلمي يقودني وكأن النصوص أوحيت إليّ جاهزة تنصب دفقا مباغتا على (الواتس أب).كان فكري سجينا أُعتقَ من قيد الوعد . كتبتُ لأنشر على صفحتي، لم أفكر قط في أية قوانين أو أنظمة أو نظريات تُخضِع الكتابة والجمال إلى المنهجية والمقاييس العلمية كما ذكرت أعلاه،دوّنت بفطرتي وكأني في حقبة زمنية أولى للتعبير بالحرف قبل أن تُصنف الكتابة إلى قصة ورواية وسيرة و..و..وتُقيّد بأنماط وأشكال. فأقبل عليها القراء على صفحتي وبالأمر طالبوني أن أجمع كل ذلك في كتاب.
وصف شفاف وممتع للعباءة هل لا زالت العباءة تحمل ذات الجوهر،أم أن صاحبتها تخلت عنها من أجل الحداثة و التطور في وقتنا الحالي بالسعودية؟
الله.. الله.. العباءة.. أروع زهرة عطرت حياتي.. العباءة حررت جسد طفلة سُرِقت منها أنوثتها في عالم رجولي في الجزائر..العباءة بَعثت من جديد أناقة ورقة الطفلة التي سُلَبَت منّي بأمر ووعيد من الجدات والأمهات عنوانه (اَحّشْمِيْ يا طفلة عيب الرجال قدامك) ، فيُفرَض على المرأة في الجزائر أن تكون رجلا جنديا بحجاب مُصفّح لا تحطه إلا حين تخلد إلى النوم. كان هذا في الغالب من المجتمع الجزائري، حجاب مصفح خانق في البيت أمام الإخوة في المدارس في الكليات، العمل، السوق، حجاب خانق خشن حتى في لفح هجير الصيف. العباءة كانت تحررا من كل هذا،كانت العباءة ملكوتا فسيحا ممتدا يرفل فيه جسد سيدة يلفه بقيمة شرعية ما لا يصِفُ ولا يشف كانت ظلالا أرفل فيها تحفظ حيائي وحشمتي في محراب الجمال الذي لا يُدنّسه تبرج أو فتنة في الأرض،لن أتخلى عن العباءة ولونها الأسود الأنيق، اللون الذي يستر تفاصيل جسد المرأة ويمنحها حرية وخفة في الحركة ووقارا يفرض احترامها.
تعايشت مع نساء (عسير) حسب هذه الوصية (يوم أن تعيشي بين قوم، عيشي عيشتهم). هل كان ذلك مبدأ من المبادئ في خلق توافق اجتماعي في حياتك؟
(عِيشي عيشتهمْ) كان شعار والدي الذي سافركثيرا وعاش في مجتمعات مختلفة،شعاره: البنت (زْريعة كل بلاد) ، وإذا اخترت أن تعيشي مع قوم لا تقولي (فصّلوا على قدي..عيشي عيشتهم وكُلي من زادهم)..بهذه الوصية لم أحتَجْ إلى أن أبذل جهدا للتكيف مع مجتمعي الجديد، لم أشعر بأي اختلاف، وكأني انتقلتُ من العاصمة (الجزائر) إلى جبال الأوراس التي تتطابق كليا مع جبال السروات وتهائمها في التضاريس والعادات والتقاليد والبنية القبلية، فكان اندماجي في العائلة والمجتمع دون أي جهد.
المقطوعات اللغوية المحلية للنساء بعسير مثل:تدخل ( أمي زلفة) أعتى العجائز في العائلة:يا ولدي ذا الليلة مَيْدَ نْحنيشْ و نكعسش،و بَدْينا لَشَ بثوبِينْ عَسِيريْ،و وِزْرَة و مَنديل أَصْفرْ وشَيْلهْ مقلمة، ونَحَزًمش و تِلبسين ذهبش وامعصابه وامرشرش وكفّ بناجر، ومِيدْ تَبِيِّضِين بُوجِيهَنا في امْعرس عند العرب). تلك اللكنة الممتعة كم استغرقتِ من الوقت حتى ألممتِ بتفاصيلها نطقاً ومعرفة؟
اللهجة المحلية في (عسير) متقاربة مع لهجة الغرب الجزائري والجنوب الغربي ولهجة أهل الواحة في شمال الصحراء ، حيث تتمركز أكبر شريحة للقبائل العربية في الجزائر والقادمة عبر الهجرات اليمنية الكبرى وعرب الجزيرة العربية على العموم وبعد ذلك زاد توافدها مع الإسلام فكانت ألفة قَبْليّة مع هذه اللهجة.أحببت المكان وأهله ففهمت كلامهم بقلبي قبل أن أتهجى لسانهم العربي الأصيل.
الكتابة عن المرأة الجزائرية المناضلة. هل كان ذلك نتاج تجربة أو قراءة واستماع لقصص من قبل كبار السن لذلك التاريخ العظيم؟
في الجزائر الطفل يكتب ملاحم جداته المناضلات بجوارحه قبل أن يُفطَم،المناضلة متواجدة في تفاصيل البيت الجزائري، متجذرة في أوتاد الجبال والصخور، لا نقرأها درسا منهجيا في المدرسة.هي الجدة،الأم، العجوز في الحي في الديرة هي راسخة رسوخ تاريخ الجزائر النضاليّ عبر أحقاب زمنية متوغلة في تاريخ العدوان على أرض الجزائر من مختلف الجيوش،هذه المناضلة هي جوهر المرأة الجزائرية التي تولد جنديا جيلا بعد جيل يتوارث فطرة النضال يكتبها يوميا بأنفاس الأسلاف المناضلات التي تشكل هلامية وجوده.
العرف والتقليد مثل الزواج من ابن العم ، ألا ترين أن هناك تقاربا فكريا في الكثير من العادات والتقاليد في ثقافة الوطن العربي الشعبية؟
أعراف..عادات..تقاليد هي تطابق بين المجتمع الجزائري والسعودي نابع من البنية القبلية للمجتمع هنا وهناك وغيرهما من الوطن العربي، لكن في الأول والآخر للنصيب كلمته، والإصرار على التغيير الإيجابي هو الذي يفرض الأمور.
أتمنى أن نرى ذات يوم (سرديات كنزة) عملا دراميا سعوديا جزائريا، وخاصة أن الثقافة المرئية تحصد نسبا عالية من المشاهدة، هل يراودك ذلك الحلم؟
فعلا أتمنى هذا في عمل درامي مشترك بين السعودية والجزائر يختلف عن كل ما أنْجز..عمل درامي يعرض تاريخا له مصداقية من الدولتين ومؤسساتهما، ليُخرج كل هذا التاريخ إلى النور. تاريخ التضامن والتآزر بين الأشقاء، فتنتشي ذاكرة «ريال الجزائر» و«الشيك المفتوح» وشهادات المجاهد (يوسف بن خدة) وملحمة «حج الجزائر 1957» ، وأسبوع الجزائر في المملكة بإشراف الأمير / سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين حاليا) ، وتبرعات عجائز عسير والمملكة كلها بأغلى ما يملكن لصندوق التضامن في جدة وتطوع العم «جبلي» ورفاقه من تهامة عسير كمظليين في جبهة التحرير آنذاك.. وشهادات المجاهد (فرحات عباس) و(توفيق المدني)،أتمنى عملا دراميا بين البلدين ينبع من وفاء كل الجزائريين ومن شيمة السعودية التي تدعم وتساند في صمت وعفة. أتمنى أن تخرج إلى النور الذاكرة الدبلوماسية تتوجها كلمة الملك سعود «عليكم الدم وعلينا المال» أود أن يُتوّج هذا العمل الدرامي بمشهد الملك سعود وهو يُدوِّلُ القضية الجزائرية رافعا العلم الجزائري في الأمم المتحدة، أتمنى أن تعود هذه الذاكرة إلى الأجيال حتى لا تبقى مجرد محاور جامدة تُدرّس في منهج مادة التاريخ في المدارس الجزائرية.
(سرديات كنزة) حملت الكثير من تفاصيل التفاصيل الإنسانية، والحياة الاجتماعية، والترابط والحمية،والألفة،والمودة والتناغم الطبيعي بين الإنسان،و السهل،والوادي،والجبل،والطير،والنبات والحيوان، ذلك الجهد الجبار بمَ شعرت عندما خرج إلى النور عن طريق نادي أبها الأدبي؟
«كنزة» كتاب.. ذاكرة.. لم تكن جهدا..»كنزة» هي حب والحب لا جهد فيه..ذاكرة..كتاب كان عملا سلسا متدفقا من اليقين، جاء تدفقا وكأني كتبته قبليا بكل جوارحي ووجداني قبل أن يتجذّر عفويا في ذهني فيولد نصا سرديا تعبيريا سلسبيلا،كتبته من وحي تلك الطفلة المُتشبثة بشرفة (الفيلا) المطلة على خليج الجزائر العاصمة مُشرئبة العينين تعرج نظراتها عبر جبل (الخَشْنَة) المنغمس في زرقة المالحة تشرق عليه الشمس القادمة شرقا من (بيت ربي) من القبلة.. أشعة مباركة تأتي من الكعبة تزيد بياض الثلوج علي الجبل سطوعا.
«كنزة» ذاكرة تلك الطفلة التي تتوضأ وتصلي متيمة باتجاه الشرق نحو القبلة إلى أرض كرمها الله واختارها لبيته والروضة الشريفة،كنزة هي النص الذي كُتب قَبْليا بقلب طفلة تطل شرقا من أعلى قمة في العاصمة الجزائر من شرفة غرفتها في أرض الشهيد على أرض الحرمين،فخرجتْ كنزة وذاكرة طفلة تمتطي متون نادينا الأدبي في أبها،نادينا وكل طاقمه وعلى رأسهم الدكتور / أحمد آل مريع، والذين أرسوا لـ(كنزة) مهادا ودربا تجسدت عليه هذه الذاكرة.
الكتابة جهاد،و نضال يحرق الحواس،ويرهق الجسد والعقل حتى تكون لحظة الانعتاق. كيف ترين ذلك و بماذا شعرت مع بزوغ هلال ذلك المولود وما سبقهُ من نتاج أدبي متنوع؟
الكتابة الاحترافية هي المُجهدة، ككتابة المقال في الرأي أو التغطية الإعلامية،أيضا الترجمة كعمل سواء كانت في مجال علمي بحت أو في مجال الأدب، وذلك لكثرة قيودها مما يكبح الإبداع..أما الكتابة الإبداعية فهي كمن يعرج في فضاءات السماوات والأرض دون قيود،وعن شعوري بصدور كتاب (كَنْزة) فهو : لقاءٌ بهُويتي.
وردة الحب هي ختام الكلام، فماذا تكتب الأديبة الجزائرية السعودية مهدية رابح للشريك الشاعر إبراهيم طالع؟
عُدْ إلى شِعرك.. قصائدك تقبع هناك يتيمة تختنق تحت أزرار الكيبورد..تلوذ إلى ماهيتك أيها الشاعر الراعي لتعيدك إلى حرفك الذي هجرته حين أُثْقلتَ بأوجاع الأرض،عد شاعرا فلاحا تتماهى أحرفك وجدائل الذرة والحنطة وغثاء قطيعك يرد صداه (جبل قيس) من زمن طفولة شاعر،عد شاعراكلنا في انتظارك.