د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
نحوي أندلسي لم تنله شهرة غيره من الأندلسيين على الرغم من تقدمه؛ إذ نجد اسمه يتردد في كتب المتأخرين كابن حيان ثم السيوطي المتابع له، قال الزُّبيدي (379هـ) «هو عبد الله بن سليمان بن المنذر بن عبد الله بن سالم المكفوف. وكان له حظ جزيل من العربية، وكان يَقْرِض الشعر، ويمدح الملوك، وله في ذلك قصائد حسان، واستأدبه أمير المؤمنين الناصر لدين الله -رضي الله عنه- لولده. وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاثمئة»(1)، وذكر السيوطي أنه «عبد الله بن سُلَيْمَان بن الْمُنْذر بن عبد الله بن سَالم الأندلسي الْقُرْطُبِيّ النَّحْوِيّ الملقب بدَرْوَد، بِفَتْح الدَّال وَالْوَاو بَينهمَا رَاء سَاكِنة، وَرُبمَا صغر فَقيل: دُرَيْوِد. قَالَ السلَفِي: مَعْرُوف بالنحو وَالْأَدب، وَكَانَ أعمى، شرح كتاب الْكسَائي، وَله شعر كثير، مِنْهُ:
تَقول من للعمى بالْحسنِ قلت لَهَا
كفى عَن الله فِي تَصْدِيقه الْخَبَر
الْقلب يدْرك مَا لَا عين تُدْرِكهُ
وَالْحسن مَا استحسنته النَّفس لَا الْبَصَر
وَمَا الْعُيُون الَّتِي تعمى إِذا نظرت
بل الْقُلُوب الَّتِي يعمى بهَا النّظر»(2).
ولعل هذا الشرح علة شهرته، حين كتب خطّاب الماردي النحوي الأندلسي (كتاب الترشيح) الذي عارض فيه شرح درود لكتاب الكسائي ولخص أبو حيان السّفر الأول من كتاب الترشيح في كتابه (تذكرة النحاة)(3). قال الشاعر»ويبدو لي أن دريودًا نهج نَهْج الكوفيين في شرحه لكتاب الكسائي، فدفع هذا خطّابًا إلى معارضته بكتاب الترشيح، والانتصار لمذهب سيبويه والبصريين»(4).
ومن أقواله ما أورده السيوطي، قال «فَإِن وَقعت [عسى] خبر اسْم سَابق جَازَ الْإِضْمَار وَتَركه قَالَ دريود وَهُوَ أَجود»(5)، نَحْو زيد عَسى أَن يخرج؛ ولذلك قال السيوطي «والتجرد أَجود كَمَا قَالَ دريود»(6).
وفاعل (نعم) إما ظاهر، نحو: نعم الرجل زيد، «أَو يكون ضميرًا مستترًا خلافًا للكسائي فِي مَنعه ذَلِك قَالَ فِي نَحْو (نعم رجلا زيد) الْفَاعِل هُوَ زيد والمنصوب حَال وَتَبعهُ دريود»(7).
وقال السيوطي عن (حبّذا) «وَقَالَ دريود (ذَا) زَائِدَة وَلَيْسَت اسْما مشارًا بِهِ بِدَلِيل حذفهَا من قَوْله: (وحبَّ دِينا ... )»(8).
ونجد عددًا من أقوال دريود التي ذكرها خطاب في كتابه وردّها مبثوثة في كتب أبي حيان، منها إجازته جمع (طلحة) جمع مذكر سالـمًا وهو ما يمنعه البصريون «خلافًا للكوفيين وتبعهم دريود، فإنهم يجيزون جمعه بحذف التاء فيقولون: طلحون»(9). ومنها أن «هاء السكت ساكنة أبدًا، وزعم دريود أنها زيدت للسكت، ولتكون عوضًا من الألف الذاهبة [في ما]، ولا أرى قوله؛ لأن العوض يكون لازمًا وهاء السكت ليست لازمة إلا في كل فعل يعود إلى حرف واحد نحو: قه وعه، انتهى»(10). ومنها «وأما (ما زال) وأخواتها فقد نص النحاس في الكافي: أن تقديم خبر (ما زال) عليها جيد بالغ عند البصريين، وحكاه ابن خروف عن البصريين، والكسائي، وقال: خالف الفراء في ذلك، ونص دريود على أنه لا يجوز تقديم خبرها مع لم، ولن، وليس ذلك بمرضي انتهى»(11). ومنها قوله «وفي كتاب الترشيح: وأما الأيام المعروفة بأعيانها كيوم السبت ويوم الأحد، والأزمنة المحدودة كالشتاء والصيف، والربيع، وأوقات الليل والنهار مثل بكرة وعشية، وسحر إذا أردت واحدًا من الأسحار، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، فإنك تقيمها مقام الفاعل جمع. وكان دريود لا يرى ذلك، ويقول: كل وقت محدود حسن فيه ائتني فانصبه أبدًا كقولك: سير به يوم الجمعة، وبكرة، وغدوة، وعشية بالنصب لا غير؛ لأنك تقول: ائتني يوم الجمعة، وهذا غلط منه لأنك تقول: ائتني شهر رمضان، وائتني أيام التشريق ثم تقيم ذلك مقام الفاعل فتقول: سير عليه شهر رمضان، وأيام التشريق، وهذا مما لا اختلاف فيه، لأنه موقوت محدود محصور العدد»(12). ومنها قوله»وقد أجاز الجرمي، والمبرد في قوله تعالى: {إلا قليلًا ممن} أن يرتفع على الوصف لقوله تعالى: {أولو بقية} وهو لا شك استثناء منقطع، ولو قرئ به كان حسنًا، فحيث جاز الاستثناء بوجه ما حسن الوصف، وأجاز المبرد، وتبعه دريود في الآية البدل»(13). ومنها قوله «وقد أدخل دريود (لولا وهلا) في حروف الاستفهام، وأبين في معناها أن يكون للعرض، أو التحضيض، ومعنى الاستفهام فيها موجود، لأنك إذا قلت هلا قمت فمعناه لم تركت القيام قال تعالى: {لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} أي هلا وقال أبو إسحاق: هذا يدل على معنى؛ لم نزل عليه متفرقًا، فأعلموا لم ذلك، أي ليثبت في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا تصحيح ما ذهب إليه دريود انتهى»(14).
ولعل هذا النحوي جدير بأن تتناول حياته وأقواله في رسالة علمية.
** ___ ** ** ___ ** ** ___ ** ** ___ **
(1)الزُّبيدي، طبقات النحويين واللغويين، ص: 298. وتذكر بعض كتب التراجم اسمًا آخر هو مُحَمَّد بن إصبع الْقُرْطُبِيّ النَّحْوِيّ.
(2)السيوطي، بغية الوعاة، 2/ 44-45.
(3)حسن موسى الشاعر، خطاب الماردي ومنهجه في النحو، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، العددان التاسع والسبعون والثمانون، السنة العشرون- رجب-ذوالحجة 1408هـ، الموافقه 1988م. ص113. وقد سطا على هذا العمل الدكتور عمر أحمد محمد شحات ونشره بعنوان (خطاب الماردي وآراؤه النحوية) في مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، جامعة الأزهر - كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، عام 2001م، ع 19، ج 2، ص ص 896 – 834.
(4)الشاعر، خطاب الماردي، ص118.
(5)السيوطي، همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، 1/ 478.
(6)السيوطي، همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، 1/ 478.
(7)السيوطي، همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، 3: 30.
(8)السيوطي، همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، 3: 39.
(9)أبو حيان الأندلسي، ارتشاف الضرب من لسان العرب، 2/ 572.
(10)أبو حيان الأندلسي، ارتشاف الضرب من لسان العرب، 2/ 821.
(11)أبو حيان الأندلسي، ارتشاف الضرب من لسان العرب، 3/ 1171.
(12)أبو حيان الأندلسي، ارتشاف الضرب من لسان العرب، 3/ 1335.
(13)أبو حيان الأندلسي، ارتشاف الضرب من لسان العرب، 3/ 1528.
(14)أبو حيان الأندلسي، ارتشاف الضرب من لسان العرب، 4/ 1672.