*سال وادي العقيق في المدينة النبوية؛ فسال الشوق إليه شعرًا …
جرى ماء واديه فزاد احتراقيا حنينًا!
وكان الماء لي قبلُ شافيا!
وعهديَ أن الماءَ للنار مُخْمِدٌ
فما باله أذكى لهيبَ اشتياقيا؟!
أنا منذ أن أدركتُ أعشقُ طيبةً
جبالًا .. ووديانًا .. حِمىً .. وفيافيا
ومن ذا الذي لم تَسْبِ عينيه طيبةٌ
ولم تبلغ الأشواقُ منه التراقيا؟!
لئن فاتني لقيا النبيِّ محمدٍ
فإن بلقيا من أَحَبَّ تلافيا
فها هو ذا وادي العقيق بطيبةٍ
حبيب نبيّ الله ما زال باقيا
يُوافي إلى الوادي الحزينُ فينثني
وقد غَمَرَ البِشْرُ الحزينَ المُوافيا
سأبذل لو يُشْرى ثرىً من بطاحه
أَواقيَ تِبْرٍ خالصٍ وأَواقيا
تملّكني وادي العقيق صبابةً
أمضّتْ لظاها مهجتي وشغافيا
وأوثقني وادي العقيق بحبِّه
أُفَدّيه حتى لا يفكَّ وثاقيا
يَذلُّ عزيز النفس في الحُبِّ طائعًا
وفي غيره تلقاه للذلّ نافيا
يُلاقي من الحبِّ المُحبُّ شدائدًا
ولا يتجلّى الحبُّ حتى يُلاقيا
على ضَنْك ما يلقى المُحبّونَ لا ترى
ذوي الصدق منهم يؤثِرونَ التجافيا!
أجلْ، هو وادٍ بَيْدَ أن شموخه
بحبِّ نبيّ الله يمتدُّ راقيا
سموتُ إلى الوادي أحيّيه هاتفًا
فأطربني ترجيعُهُ لهتافيا
كأني به استوحى من الصوت أنني
مُعنّى فكان الرجْعُ لي منه راقيا
وأنشدتُهُ غُرَّ القوافي مُصوِّرًا
حنيني فأوحى حسنُهُ لي قوافيا
سأنتشق الأطياب من نفح رمله
وهل سوف يُطفي نارَ شوقي انتشاقيا؟!
وأرتشف السلوانَ منه فربما
شفى قلبيَ الولهانَ بَرْدُ ارتشافيا
سقاه نبيُّ الله حبًّا ولم يزلْ
فبوركَ مَسْقيًّا وبوركَ ساقيا
تدفّقَ حُبًّا منذُ قال: أُحبُّهُ
وما زال دفّاقَ المحبة صافيا
ولو أجدبتْ بطحاؤه فهْوَ منهلٌ
تدفّقَ من حبّ النبيّ سواقيا
تمنّيتُ أني أستقرُّ جوارَهُ
ومَشتايَ في أفيائه واصطيافيا
تمنيت أني حول شطَّيْهِ أحتسي
صَبوحيَ من أمواهه واغتباقيا
ومن فرط إجلالي له ومحبتي
تراني به أمشي على الرمل حافيا
وأجعلُ من أشجاره لي مَراودًا
أُكَحّلُ منها - حين أنأى - المآقيا
لعل بها أن يرْقأَ الدمع سلوةً
إذا حان عن وادي العقيق انصرافيا
هنيئًا لجيران العقيق وأهله
ويا ويح ناءٍ عنه يرجو التلاقيا!
أمانيَّ من أوطار دنيايَ جَمّةٌ
ولو نلتُ سكنى طيبةٍ كان كافيا
** **
- فهد بن علي العبودي