زكية إبراهيم الحجي
ثمة روح تسري في عمق التاريخ تدعو من يروق لهم قراءته لمعرفة أسباب كل حادثة من الحوادث التي مرت على سائر الأمم وأثرت في حياتهم واتجاهاتهم وغيرت من معالم أنظمتهم في لحظات قد تكون مهمة وفارقة بالنسبة لهم.. فالتاريخ يتعامل مع فيض من الأحداث والوقائع والشخصيات والظواهر ويكشف بلا مواربة حقيقة مؤداها أن لا شيء يبقى على حاله.. وأن التجربة البشرية في حركة مستمرة كما أن كثيراً من الأمور خاضعة للتغيير.. قراءة التاريخ فن لمن يعشق قراءته.. والغوص في قراءة تاريخ أمم الأحقاب المتتالية من أمتع أنواع القراءات كونها تتخذ سمة أسطورية ما يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش في أجواء سرد روائي حافل بشتى أنواع القصص وتحمل في ثناياها وقائع وأحداثاً منها ما هو مرير ومؤلم وهو الغالب ومنها تلك التي لا تخلو من الطرافة رغم ما تميزت به من قسوة وألم.
المقدمة السابقة تعكس مدى ولعي بقراءة التاريخ وخصوصاً «تاريخ التاريخ «نفسه.. بمعنى منذ عصر الأساطير إلى عصر الحضارات المتتالية وما بعدها وما تخللها من أحداث سياسية وعسكرية.. وكما أشرت في المقدمة بأن قراءة التاريخ فن لكنه فن أشبه ما يكون بالفن الروائي القصصي الذي لا يخلو من الإثارة والمتعة رغم مآسي الحروب وأفول حضارات وقيام حضارات أخرى على أنقاض حضارات سابقة لذلك فقراءة التاريخ لا تعطينا فرصة الاحتفاظ بذاكرة الأمم والشعوب فقط بل تمنحنا فرصةَ معاصرةِ الأحداث والوقائع التي وقعت عبر التاريخ البشري خلال تسلسل الخط الزمني للعصور التاريخية ووصف الأحداث والملابسات التي حدثت في الماضي.. فإذا كان البشر هم من يصنعون التاريخ فإن قراءة التاريخ تمنح القارئ العاشق له معرفة الطبيعة الجوهرية للبشر وهل توجد أصلاً طبيعة إنسانية موحدة أم أن السمات الجذرية للإنسانية تشكلت تاريخياً.. كذلك ومن خلال التعمق في قراءة التاريخ تتكشف لنا الاختلافات الجوهرية في الرغبات والسلوكيات الجماعية للذين عاشوا في كل مرحلة من مراحل التاريخ.
التاريخ هو قصة البشرية وما طرأ عليها من أحوال وتقلبات وما تعاقب فيها من أمم وشعوب وحضارات سعى فيها الإنسان إلى اكتشاف محيطه وتسخيره في التعبير عن ذاته بكل ما فيها من خير أو شر.. لذلك فقراءتُه من أمتع أنواع القراءات والمؤرخ الحذق هو من يرسم أحداث الماضي وملابساته بريشة صنعتها تصوراته للتفاصيل المعقدة لأحداث مضت ويضعها في السياق المناسب ويشرحها والقراءة المتأنية تجعل القارئ وكأنه يعيش زمن الأحداث.. التاريخ مخزن هائل يحوي سجلات أمم وشعوب كل العصور المتعاقبة وما مرت به من ظروف سياسية وعسكرية واجتماعية وغير ذلك.. التاريخ رواية لانهاية لها.