د. محمد بن إبراهيم الملحم
في مستوى الإدارة العليا وأقصد به الوزارات والهيئات التعليمية فإن مشاريع اللغة على هذا المستوى تمثل جليد قمة الجبل الذي يذوب في ربيع جميل ليملأ سفح الجبل بالماء فتزهر وديانه وسفوحه، وأول تصور هو أنه لابد لهذه الهيئات والوزارات من بصمات مهمة في الترويج للموضوع من خلال الإعلام بكل مستوياته وأنماطه التقليدي منها والحديث، فهذا الترويج هو ما يجعل المعلمين يقبلون على المشاريع الأصغر حجماً في مستوى الإدارة التعليمية أو المدرسة، كما أنه من شأنه أن يحث كل الإدارات التعليمية لتعمل وتجتهد في ابتكار الأفكار التطويرية مما يجعل من هذا المجال ناميا مزدهرا على الدوام، بل إني لا أبالغ لو اقترحت أن تنظم الوزارة مسابقة بين إداراتها التعليمية في أيّها يتقدم معلموها أكثر في تحسن مستوياتهم فسوف تكون لذلك قيمة مهمة وأثر عظيم.
إن الترويج والتسويق للفكرة مهما كانت تافهة سيجعل منها كبيرة ومهمة ويتمحور حولها اهتمام جمهور هذه الحملة الترويجية، فما بالك عندما يكون التسويق لفكرة أصيلة ذات قيمة حضارية وإنسانية وقيمية مثل مسألة تحسين استخدام اللغة العربية وتصويبها، بل إني لا أبالغ لو قلت لكم إذا ما كانت الحملة التسويقية قوية وفعالة جدا ومؤثرة فإن القطاعات الأخرى (غير التعليم) سوف تتأثر بها ويعمل منسوبوها على العناية باللغة العربية وتحسين استخدامها لديهم، كما أن الآباء من جهة أخرى سيشعرون بالخجل من أنفسهم إذا ما كانت لغتهم متواضعة مقارنة بمستوياتهم التعليمية كحاملي شهادات جامعية بينما قد يفوقهم أبناؤهم ويتقدمون عليهم، وكذلك بعض أعضاء المجتمع مقارنة بمراتبهم العلمية والتخصصية (دكتور - ماجستير - متخصص في اللغة العربية أو الدين) أو مقارنة بمناصبهم الوظيفية الرفيعة (مدير - وزير - مستشار - قاضي) أو مكانتهم الاجتماعية (رئيس بلدة - متحدث رسمي - عميد أسرة - رئيس نادي) فكم رأينا خللا فاضحا وأخطاء مكشوفة (ليست يسيرة مغفورة) لبعض من هؤلاء أثناء أحاديثهم العامة.
كما أرى أن على هذه الهيئات والوزارات والجامعات مهمة تنظيم الملتقيات السنوية للممارسين اللغويين وذلك لاستعراض أفضل الممارسات وتبادل التجارب بين المناطق التعليمية والمؤسسات باختلاف مجالاتها، فمثل هذه الملتقيات تصنع فرقاً كبيراً لدى كثيرين ممن يحضرونها فيكتشفون مجالات جديدة ويتعلمون من التجارب الأخرى، كما يتوقع منها تنظيم مؤتمر سنوي ولا أقصد مؤتمراً أكاديمياً علمياً جافاً وإنما يكون مختصا باللغة العربية في التعليم وتدريس اللغة وتحسينها فيُجلب إليه أفضل المفكرين التربويين ذوي العلاقة باللغة العربية في العالم العربي وتستعرض نتائج آخر الأبحاث في هذا المجال وأقصد الأبحاث التطبيقية لا أبحاث الترقية وما شابهها، كما تقدم في هذا المؤتمر أو الملتقى الورش التدريبية وورش العمل المشتركة حيث تبادل المعرفة وتلاقح الأفكار، ولو لم يكن له من حظ سوى إعلاء شأن اللغة في التعليم لكفى. ويتوقع من الوزارات والهيئات أن تنظم المسابقات السنوية المختلفة وترصد لها الجوائز السخية وذلك فيما بين: المعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات في كل المراحل وتشمل كذلك المشرفين والعاملين في التعليم، فهذه المسابقات تصنع فرقاً كبيراً في رفع دافعية الأفراد للتفاعل مع الموضوع وإيلائه أهمية وأولوية في أنشطتهم مما يحافظ على حيويته ويحعله متقدا سنة بعد سنة وموسماً بعد موسم.
بهذه الدرجة من النشاط والحيوية التي تتمركز حول اللغة العربية في التعليم (وأكرر: في التعليم لا كتخصص وكمجال أكاديمي كما تفعل الجامعات في نشاطها المعتاد) فإن الاهتمام باللغة العربية في المدارس سيتحسن ويعلو شأنه ويُرى له أثر في تعلُّم طلابنا وطالباتنا. ومالم يكن هناك إيمانٌ قوي لدى المسؤولين وحماسٌ منقطع النظير وسخاء في البذل على مثل هذا المشروع فإنه لن يتمكن من النهوض والتحرك للأمام خطوة واحدة. وإن الاكتفاء بتحرير تعميم لكل الإدارات التابعة للوزارة وحثهم على المبادرة بعمل أنشطة وبضرورة الاهتمام باللغة العربية لا يقدم كثيراً ولا يُحدث أثراً ملموساً كما تفعل مبادرات عملية وبرامج مخططة وإجراءات وأنشطة حيوية تحدث فرقاً مهماً وتصنع التغيير فذلك هو المتوقع من أجل تعليم أفضل له قيمته في النهوض بالوطن وتمكين أفراده.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً