د. فهد بن أحمد النغيمش
يختلف الموظفون فيما بينهم في الطباع والخصال الشخصية باختلاف بيئات العمل واختلاف الطريقة التي ينتهجها القائد تجاه موظفيه فلو حاولنا أن نصنف سلوكيات الموظفين ودرجات تقبلهم للمسؤوليات والطلبات لوجدنا أن هناك الموظف العنيد الذي لا يستجيب بسهولة ويصر على رأيه حتى ولو كان خطأً ويخالف آراء رؤسائه وبقية الزملاء ولا يتعامل بسلاسة مع زملائه، وهذا الموظف يسبب الكثير من المشكلات في بيئة العمل قد تؤثر سلباً في جودة العمل وكفاءته ولذا تجد هذا الموظف للأسف غير مرحب به لدى المديرين والرؤساء المباشرين ودائما تجده للأسف ليس له مكان ثابت في دائرته التي يعمل فيها لأنه افتقد أبرز عناصر التكيف في البيئة وهي إجادة العلاقات الإنسانية والبعض الآخر قد يكون من كوكبة الموظفين الذين يحملون فكراً إبداعياً وخيالاً واسعاً، ينشد التطوير والتجديد لكن يقابله مدير قاتل للإبداع لا يؤمن بالفكرة الجديدة ولا بالتطوير والتحسين، نهجه الدائم في إدارته {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}، لكن السؤال الذي يتكرر دائماً وقد يكون واقعاً محسوساً مشاهداً من خلال بعض النماذج: من هو الموظف الذي يمكن أن يكون مقرباً ومحبباً للمديرين؟
نحن إذا سلمنا جدلاً أن هناك اختلافاً وتفاوتاً في أنماط المديرين وكل له نهجه وأسلوبه وطريقته في التعامل مع مرؤوسيه إلا أن هناك فئة كبيرة من المديرين يفضلون الموظف المطيع الذي يجيبهم بعبارات (سمّ ، أبشر، على خشمي، رأي سديد، .....) وما شابهها من عبارات الخضوع التي تنال استحسان مرؤوسيه وللأسف هذه النوعيات من الموظفين تجدهم في الغالب لهم حظوة وقرب كبير من مرؤوسيهم لأجل أنهم ألغوا (لا) من قاموسهم اللغوي واستبدلوه بالموافقة الدائمة حتى وان كانت القرارات خاطئة..
الموظف المطيع هو في الغالب يكون خاوياً فكرياً لا يملك من الإبداع نهجاً ولا من المعرفة زاداً ولذا لجأ إلى أن يكون منفذاً للأوامر دون سؤال أو استهجان أو اعتراض، فهو يوافق رئيسه على كل شيء وهذا في الحقيقة سلوك غير واقعي ولا منطقي، ولا يفترض من الرئيس قبوله لأنه سلوك غير مفيد.
يجب إفهام هذا الموظف أن موافقته على كل آراء وقرارات الرئيس لا تعني التقدير والاحترام للرئيس. ويجب على الرئيس تشجيع تعدد الآراء، وتنظيم ورش عمل لتعزيز هذا السلوك وتقدير الآراء الموضوعية المختلفة.. الرئيس الناجح هو الذي يجد من يساعده بأفكار وحلول جديدة وليس من يوافقه على كل شيء يقوله أو يقرره.
المديرون يتحملون نسبة كبيرة من اختياراتهم الخاطئة والمبنية على العاطفة والتي ظناً منهم انها تبعث في أنفسهم الراحة ذهنيا وعملياً.
سواء كنت رئيساً لشركة بمليارات الدولارات أو مديراً لمشروع صغير لا يزيد عدد موظفيه على عدد أصابع اليد الواحدة فلا ينبغي أبداً أن تقوم بتفويض عملية اختيار وتطوير القادة داخل دائرتك إلى غيرك، بل إن هذه المهمة تحديداً يجب أن تكون في صلب اهتماماتك، وتجاهلك لذلك من شأنه أن يجعل الشركة عاجزة عن الاستمرار في المستقبل لأن مقاعد البدلاء لديها ضعيفة أو فارغة.
في «جنرال إليكتريك» على سبيل المثال يتم تعيين 85 % من المديرين التنفيذيين الجدد من داخل الشركة، وهو ما يشير إلى مدى جودة عملية تطوير القادة بالشركة. وهذا بالمناسبة لم يحدث مصادفة، فـ»جاك ويلش» و»جيف إميلت» الرئيسان التنفيذيان السابقان للشركة جعلا تطوير القيادة أولوية قصوى وطالبا جميع المديرين التنفيذيين لديها بالقيام بالشيء نفسه ووقفاً لمعايير علمية تم إقرارها في الشركة تغليبا للمصلحة الأساسية للشركة دون التأثر بالعواطف والاعتبارات الأخرى، لكن من يتابع واقع الكثير اليوم من المنظمات والدوائر سواء الحكومية أو كقطاع خاص يجد أن هذا ليس هو الحال إذ إن اختيارات بعض المديرين تكون للأشخاص الذين يشعرون بالراحة معهم بدلاً من أولئك الذين يمتلكون مهارات أفضل للوظيفة. المهم لديه هو أن يكون مرتاحاً لموظف معين لا لشيء إلا لأن ذلك الموظف يفكر مثله ولا يتحداه أو لأنه يطمئن إلى أن ذلك الشخص بأنه لا يهدد منصبه أو قد يزيحه عن كرسيه والخاسر الأكبر في كل ذلك هو الشركة للأسف، ويبقى أن غياب العدالة وتكافؤ الفرص الوظيفية وسط غياب أدنى معايير العلمية لاختيار القيادات هو أحد أهم العوامل الأساسية في ترهل المنظمة بل يعتبر باعثا رئيسا لروح اليأس والإحباط للعديد من الموظفين..