علي حسن حسون
نشرت النيابة العامة في الأيام القليلة الماضية إقرار النائب العام على إنشاء نيابات مستقلة لجرائم الاحتيال المالي والتي تتولى الإجراءات النيابية القضائية في مكافحة تلك الجرائم والتحقيق مع المتهمين فيها ورفع الدعاوى الجزائية بحقهم أمام المحاكم المختصة. وجاء ذلك لكثرة القضايا المرتبطة بالفساد (الاحتيال المالي) التي تظهرها لنا (نزاهة) يوماً بعد يوم عبر وسائل الإعلام المختلفة بمختلف أنواعها سواءً عبر النفوذ الوظيفي أو عن طريق تقديم الرشاوى وما شابه ولاشك بأن تلك الاكتشافات كانت من خلال عمل دؤوب وفاعل في القضاء على الفساد من أجل تعزيز التنمية في هذه البلاد والحفاظ على مواردها من خطر الاحتيال.
السؤال الذي يطرح الآن من سيقوم بالعمل في تلك النيابات؟ وهل خريجو كليات القانون كما هو الحال في المحاكم الأخرى مؤهلون أن يتصدوا لهكذا نوع من الجرائم أم يكون للمحاسبين والمدققين الماليين رأي آخر خصوصاً أن تلك الجرائم هي من صميم عملهم؟
في الحقيقة إن جرائم الاحتيال المالي تجمع الجانبين معاً هما المحاسبي والقانوني فلا يغني جانباً عن الآخر، من هنا دعت الحاجة إلى الربط بين المحاسبة والقانون من جهة وبين احتياجات القضاة من المعلومات المحاسبية من جهة أخرى فمن خلال ذلك الربط ظهر مفهوم المحاسبة القضائية كعلم مزيج بين القانون والمحاسبة والتدقيق، وبالمناسبة كان أول ظهور لمهنة المحاسبة القضائية في القرن السابع عشر وما قبله (1700) ميلادي. فالمحاسبة القضائية هي إحدى أهم الاختصاصات التي تساعد القضاة في الأحكام المرتبطة بالنزاعات والقضايا المالية محل التدقيق عبر أساليبها الخاصة لتوفير المعلومات والتقارير التي تساعدهم على ذلك، ليس هذا فحسب بل هي تقوم على أساس المعرفة المتكاملة بكل من أساسيات المحاسبة والتدقيق ومهارة التحريات في ضوء المعرفة بالأمور القانونية, فهي تركز على فحص المستندات القديمة التي تتعلق بكل قضية وتزداد الحاجة إليها عند وجود شكوك مهنية أو دعاوي قضائية تتطلب الإدلاء برأي مهني مستقل وتقديم تقرير يساعد على تأييد الدعاوي القضائية ومعاونة المحكمة على إقرار الحق وتحقيق العدالة. وتعتبر جامعة تبوك أول جامعة سعودية تنشئ برنامجاً لدراسة الماجستير في المحاسبة القضائية ممثلة بكلية إدارة الأعمال منذ عام 2021 تقريباً كما نهيب بجميع الجامعات الأخرى أن تنشيء برامج مماثلة في ذات التخصص لما له من أهمية بالغة في خدمة التقاضي والتحقيق في عمليات الاحتيال كغسيل الأموال والاحتكار الاقتصادي والفساد المالي والإداري وتزوير العملات النقدية وقضايا الإفلاس وغيرها.