عبدالوهاب الفايز
الأسبوع الماضي.. انتهى الحديث إلى إبراز أهمية تحويل كل ما يتعلق بتشغيل برنامج الرصد الآلي (ساهر) إلى شركة وقفية وبنموذج عمل (شركات الاستثمار الاجتماعي) الذي يسعى إلى تحقيق الأثر الإنساني والاجتماعي أولاً، ثم تحقيق هوامش الربح الضرورية لاستدامة وتوسع الأثر وتحقيق الجودة. هذا النموذج الجديد في العمل الخيري السعودي سوف يُوجد البيئة الداعمة لإنشاء الجمعيات الأهلية الخيرية والتطوعية المتخصصة في السلامة المرورية. ربما تسأل الآن: ما العلاقة بين هذا الأمر والسلامة المرورية؟
هذه النقلة النوعية تخدم الحاجة إلى بناء منظومة متكاملة للسلامة المرورية تحقق لنا الأمان في الطريق، وتحقق لنا توسيع دائرة مواجهة التحديات المتعددة في منظومة التنقل بالمركبات، داخل المدن وخارجها، فالتحدي الأكبر لنا هو: كيف نجعل (رحلة العميل) مريحة وأقل صداعًا في كل ما يخص شؤون المركبات.. امتلاكها وقيادتها وصيانتها وكل شؤونها؟. لا توجد مبررات موضوعية تجعل هذا الأمر مصدر معاناة للناس. ربما المبرر/ العيب الوحيد هو: نقص القادرين على التمام.
لماذا نجعل الناس تتجاذب (هم السيارة) في حياتها؟، وهو معاناة ثانوية عادة لا تستنزف الجهد والمال في المجتمعات التي تعرف كيف تُرتب أولوياتها. ثمة تحديات رئيسية تستحق المعاناة ومتوقع أن تكون حلولها ودروبها صعبة مثل تحديات الترقي العلمي والمهني، وتطوير المهارات الأساسية للتعامل مع متطلبات الحياة الوجودية والمصيرية. تنامي الأشكال البسيطة للمعاناة هو استنزاف سياسي للحكومات. غريب رؤية الناس في مجالسها تقدم سرديات المعاناة عن الأسعار المرتفعة للسيارات مقارنة بالأسواق القريبة والبعيدة، وتتوسع في المقارنات مع الأسواق العالمية. والارتفاع في الأسعار وضع واقعي حقيقي، وكشفت عن بعض ملامحه (الهيئة العامة للمنافسة) في سبتمبر الماضي، وتوصلت إليه من دراسة حديثة تتناول المقارنة بين هوامش أرباح الموزعين المحليين للسيارات في المملكة ونظرائهم في دول أخرى. فقد وجدت (أن هوامش أرباح الموزعين في السوق المحلية أعلى من نظيراتها في الدول الأخرى، كما أن خدمات ما بعد البيع في المملكة تحقق هوامش أرباح أعلى من مبيعات السيارات). ما هي العوائق لإصلاح هذا الخلل في هيكل الأسعار؟
وبالإضافة إلى مشكلة الأسعار، يواجه الناس أمرًا مزعجًا يتطلب المعالجة لأنه يرتبط بضرورات السلامة للناس وهو الجانب المتعلق بصيانة المركبات. هذا الشأن تحفه مشكلات متعددة أبرزها ضعف خدمات الصيانة في ورش إصلاح السيارات، فهذه يسيطر على أغلبها التستر التجاري، وتعد مصدرًا رئيسيًّا لتمرير قطع الغيار المغشوشة والمقلدة. كما أن والوضع القائم يحرمنا من فرص وظيفية وتجارية واسعة وذات عوائد مالية عالية.
كما اقترحنا الأسبوع الماضي بضرورة دراسة دمج شركة نجم مع شركة ساسكو لإيجاد مجموعة وطنية تكون قاطرة لتنمية الخدمات في قطاع السيارات. نجدد الاقتراح بضرورة تبني وزارتي التجارة والنقل جهدًا منسقًا لحث وكالات السيارات في المملكة لإنشاء شركة مساهمة مغلقة متخصصة بالصيانة. هذه المبادرة لها منافعها المباشرة على القطاع حيث تساعد في خفض تكلفة التشغيل لدى وكالات السيارات، فكل وكالة لديها ورشها الخاصة، وأيضًا تخفف معاناة الناس الممتدة مع وكالات السيارات حيث أغلبها لا يهتم بخدمة العميل.
أيضًا الكيان الكبير آلية عملية لمحاربة التستر التجاري المنتشر في ورش السيارات، ويخدم مبادرات وزارة الصناعة لتطوير صناعة النقل. تطوير صناعة وطنية متكاملة للمركبات لن يتحقق بالصورة التي نتطلع إليها، فثمة عوائق فنية وبشرية رئيسية تحد من قدرتنا التنافسية. ولكن هذا لا يمنع من تطوير جوانب حيوية في صناعة السيارات، بالذات في الصيانة والتشغيل وتصنيع قطع الغيار، وإعادة التدوير لمخلفات الزيوت والإطارات وغيرها. أيضًا هذا الكيان وسيلة لتطور الخدمات المساندة مثل جمع التالف من المركبات المهملة في الشوارع والذي يرهق البلديات. وأيضًا يُنظم خدمات الاستجابة للمساعدة على الطرق بدل الطريقة التقليدية لنقل السيارات التي لم تتطور ولم نستفد منها في توسيع فرص العمل والأعمال والسعوديين الذين دخلوا تقديم هذه الخدمة ثم خرجوا بسبب فوضى الوضع القائم الذي لم تعالجه التدخلات الحكومية النوعية. أيضًا هذا الكيان يتولى إنشاء شركات إصلاح وصيانة متخصصة في المناطق الطرفية، ويساهم في تنمية خدمات الطرق الضعيفة المخجلة، مع إنشاء الورش المركزية للصيانة المتقدمة. تطوير خدمات الصيانة يجعلنا نعوض النقص الشديد في الخدمات الجيدة، وأيضًا هو مسار عملي لاستعادة ورش إصلاح السيارات من التستر التجاري المنهك لجيب الواطن والمطور للفاقد في الاقتصاد الوطني. (فاقد هل تعرفه وزارة الاقتصاد؟).
وهذا التوجه لرفع السلامة المرورية يخدمه تبني مبادرة (الصندوق الأحمر).. وهي مبادرة طورتها شركة نجم من قواعد البيانات لديها عن مواقع حوادث الطرق المتكررة، فالحوادث إذا استمرت ووصلت عند رقم مرتفع، فهذا مؤشر خطورة يتطلب التدخل. هذه المبادرة سنويًّا توفر مليارات الريالات من تكاليف الحوادث، وهناك مواقع تم معالجتها مثل الدوار المرعب عند مستشفى المملكة في شمال الرياض، فبعد التعديل السريع للدوار انخفض عدد الحوادث 70 بالمئة. (مبادرة نوعية.. هل تعلم عنها وزارة المالية؟).
هذه الكيانات المقترحة تحقق لنا هدفًا وطنيًّا استراتيجيًّا وهو توليد الوظائف والأعمال. وتفتح فرص عمل للشباب السعودي بالذات لمن هم في الشريحة خارج التعليم والعمل والتدريب. في دراسة نوعية لمؤسسة الملك خالد، وجدت أن عدد الشباب في هذه الشريحة (24-15) عامًا قد يتجاوز مليون شاب وشابة. أيضًا هناك سنويًّا من خريجي المرحلة الثانوية ما يقارب 30 ألفًا (ثلاثون ألف طالب) من المشمولين بالضمان الاجتماعي لا يتم قبولهم في التعليم العالي. أغلب هؤلاء الشباب، في الشريحتين، تناسبهم الفرص الوظيفية في هذا المجال لأن قاعدتها العريضة لا تتطلب مهارات ومعارف متقدمة، ويمكن أن تستوعب الآلاف من المتخرجين من معاهد ومراكز التدريب الفني. (من الجهة التي يهمها هذا الأمر في الحكومة؟)
كما قلنا الأسبوع الماضي.. مؤشرات الإدارة الناجحة نجدها في: القدرة المبدعة لقلب التحديات إلى فرص. وهذا ما نتطلع إليه، وهو ليس كثيراً أو صعباً على قيادة بلادنا.