عمر إبراهيم الرشيد
نشرت قبل عدة سنوات مجلة بريطانية إحصائية عن أجمل النساء في العالم، وجاءت الفتاة السعودية في المرتبة الرابعة، وذكرت الإحصائية أسباب هذا الترتيب المتقدم حيث قالت إن الجمال الطبيعي مع الاحتشام والحياء هو من أهم أسباب تفوق المرأة السعودية على نظيراتها. الآن ومع انتشار (دكاكين) التجميل عبر مدن المملكة وفي شوارعها حتى صارت مهنة لغير المتخصصين والمتطفلين على هذا النوع من الطب، وأقولها تجاوزاً وإن كان هذا التخصص في رأيي يجافيه الوازع الأخلاقي، فكم من فتاة غر لعب بوجهها طبيب جراحة تجميلية فشوهه من أجل حفنة من المال، دون أن يقدم لها النصيحة بأن جمالها الطبيعي لا يقارن بما سيصبح عليه وجهها (البلاستيكي) بعد العملية. ناهيك عن اللعب بتقاطيع أجسام النساء وكسر عظام الفكين والحوض لتغيير معالم الوجه وغير ذلك من العبث بخلقة أحسن الخالقين، فصرنا نرى وجوهاً وأجساداً مشوهة وممسوخة بكل أسف، نتيجة تأثير التافهات من ممثلات وفنانات ووجوه ما يسمى بالإعلام الاجتماعي وغيرهم. فيا ترى كيف تعتبر فنانة - إذا سلمنا بأنها فنانة أصلاً - بأنه سوية من الناحية النفسية وقد أجرت أكثر من خمس عشرة عملية تجميل؟ فكم لديها من عدم الثقة بالنفس والاضطراب النفسي الذي تتفنن في إخفائه أمام الكاميرات ويعاودها بمجرد اختلائها بنفسها. هذه وغيرها وبكل أسف ومع سيطرة وسائل الإعلام الرقمي الاجتماعي كما قلت وما تقذفه من شهب ونفايات العقل البشري التي يتلقفها شبابنا وبناتنا دون فحص وتدقيق، قد نشرت ثقافة التجميل - أو التشويه بتعبير أدق - بين بناتنا وحتى ربات البيوت المتزوجات عن جهل واعتقاد بأن هذه الجراحات ستمنحها الجمال المتخيل.
وفي شرعنا الحنيف يحرم العبث بشيء من الجسد بل وحتى الوشم يعتبر عبثاً يحرمه الشرع كرامة لخلق الله تعالى واحتراماً للنفس الإنسانية، وتمييزاً لها عن باقي المخلوقات (ولقد كرمنا بني آدم) الآية. حتى أن الوشم يمنع صاحبه من التبرع بالدم كونه أثر على خلايا الدم، ومن العجب أنك ترى نجماً رياضياً عالمياً مثل كرستيانو رونالدو يمتنع عن عمل الوشم على جسده حتى يتمكن من التبرع بالدم شهرياً.
ومع ذلك أباح الشرع إجراء العمليات التجميلية لمن تعرض لتشوه خلقي أما بالولادة أو نتيجة حادث وإصابة شوهت الوجه أو أي عضو في الجسم وهذا من رحمة الله بخلقه. لكننا نعجب وتتملكنا الحيرة حين نرى جميلة من الجميلات التي لا تحتاج حتى إلى (مكياج) لجمالها الطبيعي وتلجأ إلى عيادة لتشوه جمالها الطبيعي فتصبح دمية بلاستيكية أما في الوجه أو الجسد، فأي عقلية هذه وأي عدم ثقة بالنفس خلف هذا التفكير السطحي واهتزاز الشخصية.
وبعد، فجمال الشخصية والروح والفكر هو الجمال الحقيقي، فكم من غانية (الغانية هي من استغنت بجمالها عن الزينة) شوهت جمالها بارتفاع صوتها وشراسة طباعها ورعونة مشيتها وكأنها رجل.
وكم من امرأة متوسطة الجمال لكنها تأسر قلوب من حولها برقة طبعها وخفرها وأنوثتها الطبيعية، والجاذبية أهم من الجمال وبدونها تصبح الأنثى باردة وإن كانت جميلة، وقال العرب إن الجمال في الوجه والجسم، وأن الملاحة في الطبع مع مسحة جاذبية في الوجه والجسم تدرك بتدقيق النظر. وختاماً جمال الروح والفكر ينعكس على الوجه والشخصية حتى لو كانت نسبة الجمال متدنية في الظاهر، إلى اللقاء.