عبدالرحمن الحبيب
سيتوج تشارلز الثالث في 23 مايو المقبل ملكًا للمملكة المتحدة، وهو يريد من زوجته كاميليا أن تُزين بتاج جدته عندما توجت عام 1937م بتاج مرصع بأحد أكبر قطع الألماس في العالم المسماة كوه نور. حتى الآن الخبر عادي، لكن قطعة الألماس هذه أخذت من الهند عام 1849 وقدمت حينها للملكة فيكتوريا. وإذا كانت بريطانيا أطلقت على الهند درة التاج البريطاني لكونها أهم مستعمراتها، ومصدرًا للتوابل والأخشاب والمواد الأولية والصناعية، ورخص الأيدي العاملة، وكان حاكمها نائبًا لملك بريطانيا، فإن ألماسة التاج المتوقعة تتويجها ستثير جدلًا متوقعًا..
المحررة الثقافية في الإيكونيميست فياميتا روكو ترى أن هذه الفكرة «التتويج بالألماسة» سيكون عليها خلاف كبير، أو كما تنقل عن أحد الخبراء قوله: إنه بالنسبة للهنود بمثابة قنبلة دبلوماسية متفجرة. الماضي الاستعماري للتاج سيضيف سخونة للنقاش المستعر أصلًا، ويزيد مداه اتساعاً حول إعادة الممتلكات الثقافية القديمة إلى موطنها الأصلي والتي تشمل التحف الفنية والمنحوتات واللوحات والآثار والأدوات وحتى رفات البشر، المنهوبة سواء في سياق الاستعمار أو الحروب أو السرقة..
في أوائل القرن الحادي والعشرين، اتسعت النقاشات حول السياق الاستعماري لعمليات الاستحواذ من قبل المتاحف الغربية حول كل من الحجج ضد الإعادة للموطن أو لصالحها، واكتسبت اهتمامًا دوليًّا جديدًا وأدت إلى تغييرات تتعلق بالدور العام للمتاحف والتعويضات على أسس أخلاقية وليست قانونية فقط.
أخلاقيًّا، يجب إعادة القطع الأثرية التي تحويها المتاحف إلى موطنها الأصلي، ففي حين أنها قد تكون مجرد مصادر للتعليم أو الترفيه بالنسبة للآخرين، فهي ذات أهمية معنوية وثقافية وتاريخية وحتى شخصية بالنسبة لورثتها الأصليين. كما أن إعادة الممتلكات الثقافية تعمل على إعادة سرد القصص التي كان يصيغها المستعمرون وفقًا لنظرتهم الخاصة دون الأخذ في الاعتبار نظرة أسلاف الثقافة القديمة.
أما الحجج المضادة لإعادة الممتلكات الثقافية، فتنطلق من أن هذه الممتلكات قديمة ومتداخلة بين هويات ثقافية مختلفة وقبل اختراع الحدود الوطنية الحديثة ومن ثم فهي إرث بشري مشاع يدعم المعرفة والتسامح بين الشعوب والتفاهم الثقافي الواسع. كما أن إعادتها سيخفض كثيرًا عدد الناس الذين يشاهدونها.. مثلًا نقل حجر رشيد من المتحف البريطاني إلى متحف القاهرة، سيقلل عدد الأشخاص الذين يشاهدونه من حوالي 5.5 مليون زائر إلى 2.5 مليون زائر سنويًّا. وهناك زعم آخر، أن كثيرًا من القطع الأثرية التي ستعاد إلى بلدان غير مجهزة في البنية التحتية قد يعتريها الخراب والإهمال..
إلا أن حركة المطالبة بعودة القطع الأثرية تتنامى بقوة، وينبغي أن يسمح للشعب أن يشاهد فنونه الصادرة من موطنه في بلد كما تقول روكو، كما يتسع قبول المتاحف العالمية لإعادة هذه الممتلكات التراثية.. على سبيل المثال، متحف الحياة في جلاسكو سيكون أول متحف بريطاني يعيد القطع الأثرية إلى الهند حسب تقرير الإيكونيميست. تقول أمينة المتحف باتريكا أولان: كل القطع السبع سيتم إعادتها إلى نيودلهي، ولديهم هناك متحف متخصص في عرض القطع الأثرية المصادرة أو المعادة. هذه البادرة وإن كانت متأخرة إلا أنها تصحح أخطاءً تاريخية. يقول دوكن دورنان (رئيس المتحف): طموحنا هو تطوير شراكات معاصرة قوية حول العالم.. لا نعتقد أنه من الممكن الاستمرار في الاحتفاظ بالقطع التي لا نملك الحق فيها لا قانونيًّا ولا أخلاقيًّا، لذلك جزء من العملية هو توضيح هذه الأخطاء الماضية وتصحيحها.. القطع التي نجمعها في بريطانيا وحول العالم، هي أيضًا تدعم إعادة القطع البرونزية النيجيرية.
إذن، ليست القطع الهندية وحدها التي سيقوم المتحف بإعادتها لبلدانها الأصلية، بل ستتم إعادة برونزيات بنين وهي من مملكة بنين القديمة التي تقع حاليًّا جنوب غرب نيجيريا كحملة أوسع لإعادة القطع الأثرية إلى نيجيريا التي تقوم بها اللجنة الوطنية النيجيرية للتحف والنصب التذكارية، والتي تعمل على تجهيز مبنى يضم كل القطع البرونزية المعادة، فهناك آلاف القطع البرونزية التي نهبت من مدينة بنين منذ غزتها القوات البريطانية عام 1897م، حسب أمينة المتحف أولان.
يقول الفنان التشكيلي النيجيري انوتي اوجبيبور الذي يعمل مع الحملة لإعادة القطع الأثرية إلى نيجيريا: «هذه القطع هي من محيط معارف تاريخنا وثقافتنا، تم أخذها بعيدًا والإقفال عليها في سراديب في متاحف مختلفة حول العالم باستثناء إفريقيا لتخلق فراغًا، فلا نستطيع نحن كشعب الوصول إلى حقائق الرموز التي خلفها أسلافنا.»
هناك عدد هائل من الأثريات المنهوبة في المتاحف حول العالم، والتي تطلب بلدانها الأصلية إعادتها. ومن أشهرها المنحوتات الرخامية اليونانية المعروفة باسم «رخاميات بارثينون» والعديد منها في المتحف البريطاني منذ قرنين. وقد كشفت صحيفة يونانية أن المتحف يجري حاليًّا محادثات عن إمكانية إعادتها. لكن هناك العديد من الحواجز القانونية لإعادتها، وغالبًا تتطلب قرارًا سياسيًّا لحسمها وليس من أمناء المتاحف.
يعتقد أن الماسة الهندية المشهورة كوه نور أو أي قطع أثرية سيأتي يوم وتأخذ طريقها للعودة لموطنها الأصلي، طالما أن المطالبات لن تتوقف من دول المنشأ بداية من الهند ومصر واليونان، إلى قبائل السكان الأصليين في أمريكا، مرورًا بأثيوبيا وغانا وأمريكا اللاتينية..