محمد سليمان العنقري
كثيرة تلك التحديات التي عاشها العالم وأثرت في الاقتصاد العالمي منذ ازمة 2008 المالية إلى جائحة كورونا التي ما زلنا نعيش فصولها بالاضافة للحرب الروسية الأوكرانية وبروز المواجهات المباشرة بين الأقطاب الجدد بالعالم مع القطب الأكبر أمريكا وحلفائها الأوروبيين وفي مراحل كل هذه التحديات كانت تتشكل ملفات معقدة تنذر بمخاطر كبيرة بالمستقبل وظهر منها التضخم الذي يمثل هاجساً كبيراً للاقتصاد العالمي لأن اسبابه متعددة وبعضها لا يمكن للسياسة النقدية أو المالية المتشددة أن تحله كملفي حرب روسيا واوكرانيا والحرب التجارية مع الصين بالاضافة لملف الديون العالمية الذي بلغ حوالي 300 تريليون دولار أي ثلاثة أضعاف الناتج الاجمالي العالمي فأي تخلف عن السداد من قبل دولة أو مجموعات تجارية بحجم مبالغ مؤثر سيمثل خطراً كبيراً بعودة أزمة مالية جديدة للواجهة ستضاف للازمات الاقتصادية والصحية والسياسية القائمة حالياً.
لكن من أهم التحديات المستجدة التي قد يكون لها انعكاس على ملفات أخرى ستمثل جميعها ضغطاً غير مأخوذ بالحسبان عالمياً ولا يوجد ذخيرة كافية لدى الاقتصادات الكبرى لمواجهته هو الوضع الداخلي للولايات المتحدة الأمريكية بعد سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب والاستعداد من الآن للانتخابات الرئاسية بعد أقل من عامين فالديمقراطيون الذين يحكمون حالياً سيواجهون رفضاً للكثير من الخطط الاقتصادية التي تحتاج لأموال طائلة لتنفيذها ولا بد من موافقة مجلس النواب عليها وهو ما سيضع الرئيس بايدن في حرج كبير إذ سيصعب عليه تنفيذ وعوده الاقتصادية وهو ما قد يزيد من قوة أن يكون الركود الاقتصادي بأمريكا ليس فقط حتمياً ولكن لمدة أطول من التوقعات أي أن أكبر اقتصاد عالمي سيكون تحت وطأة التضخم والخلافات السياسية الداخلية وهو ما سيكون له انعكاس على ملفات سياسية دولية أهمها حرب روسيا وأوكرانيا وأوضاع حلفاء أمريكا الأوروبيين الذي يعانون اقتصاديا بسبب أزمة أسعار الطاقة لديهم بعد تقليص اعتمادهم على الغاز الروسي الرخيص واستبداله بالغاز الأمريكي المرتفع التكلفة بأضعاف ما كانوا يدفعونه لموسكو سابقاً، فعدم عودة الاقتصاد الأمريكي لوضع النمو الطبيعي سيعني ضعفاً بنمو الاقتصاد العالمي.
أما التحدي الآخر فهو انتقال روسيا لمرحلة تصعيد واسعة بحربها على أوكرانيا بعد جملة من التغييرات بالقادة الميدانيين وكذلك أساليب ومعدات القتال حيث تخشى أوروبا والعالم توسع هذه الحرب وخروجها عن السيطرةكما أن روسيا تحضر نفسها لرد على كل دولة تضع سقفا لسعر نفطها بوقف التصدير لها مما قد يؤثر في توازن واستقرار سوق الطاقة من حيث الأسعار والعرض والذي بدوره سيكون له أثر على نمو الاقتصاد العالمي إضافة للمخاوف من نقص بإمدادات الغذاء عالمياً، أما التحدي الآخر هو احتمالية فشل البنوك المركزية الكبرى بلجم التضخم وعدم قدرتها على عمل المزيد لتحقيق ذلك مما يعني الاضطرار لقرارات صعبة جداً لسياسات اقتصادية متعددة من قبل تلك الدول لخفض التضخم لكن ثمنها ركود لمدة أطول بخلاف فقدان الثقة بالبنوك المركزية للاقتصادات المتقدمة بأنها اتبعت سياسات خاطئة ثمن إصلاحها كبير مثل تأخر الفيدرالي الأمريكي بمعرفة أن التضخم لم يكن عابراً كما توقعوا بالبداية، أما الصين واقتصادها المهم جداً في دعم نمو الاقتصاد العالمي فهي تمثل تحدياً كبيراً بسياساتها التي اتبعتها سابقاً بتصفير حالات الإصابة بكورونا لكنها لم تنجح واضطرت لتغيير تلك السياسة لكن التراجع بنموها منذ عامين أو أكثر بسبب سياساتها السابقة له ثمن كبير دفعه اقتصادها وتعويض الخسارة تعني الاتجاه لرفع معدلات النمو بوتيرة أسرع وهو ما قد يرفع أسعار السلع عموما بأكثر من التوقعات مما قد يضر بسياسات الدول بخفض التضخم، يضاف لكل ذلك احتمال نشوب حرب تجارية أوروبية مع أمريكا بسبب قانون الحد من التضخم الذي طبقته واشنطن منذ أسابيع وقد ألمح لذلك وزير المالية الألماني فأي حرب تجارية جديدة تعني خطراً كبيراً على التجارة الدولية وبالتالي سيضر الاقتصاد العالمي، أما الملف الأخير الذي قد لا ينظر له على أنه واضح الخطورة كبقية الملفات فهو الوضع في إيران فالاحتجاجات الداخلية من الواضح أنها مستمرة وواسعة وتبحث عن تحقيق اهدافها وكما يتضح ذلك من تصريح الخارجية الأمريكية بأن مباحثات الملف النووي مع طهران ليست على الأجندة حالياً فحتى لو كانت إدارة بايدن لديها ما يشغلها مع سيطرة الجمهوريين على محلس النواب لكن نظرتها لما يحدث داخل إيران قد يكون سبب عدم حماسها لمباحثات جديدة لهذا الملف فهي تنتظر ما سيحدث فهي ليست مضطرة لتقديم تنازلات لحكومة قد تضعف كثيراً أو تسقط فبامكانها إلزام طهرابشروطها بأقل الأثمان وبشروطها كاملةً لكن انفلات الوضع بإيران بالتأكيد سيؤثر على أسعار الطاقة عالمياً وعلى استقرار المنطقة المحيطة بها خصوصاً من جهة أورواسيا أو دول آسيا الوسطى.
من المؤكد أن الكثير سيبحثون عن جواب لسؤال من سيستفيد من كل تلك الأوضاع الدولية لأنه لا يوجد خسارة مطلقة للجميع فغالباً الدول التي تصدر الطاقة والسلع المهمة جداً ولديها مديونية منخفضة ووسادة مالية مريحة من الاحتياطيات لن تنحو فقط من هذه الأزمات بل ستكون أول المستفيدين بجذب الاستثمارات لها وتحقيق معدلات نمو جيدة في زمن مليء بالصعوبات الاقتصادية إذ إن تخفيض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي الكبير من حوالي 3 بالمائة الى 1.7 بالمائة هو انعكاس لكل هذه التحديات والملفات وغيرها، فتباطؤ النمو الذي يتوقعه البنك هو ثالث أسوأ معدل خلال ثلاثة عقود بعد عامي 2099 و2020 فالعالم لا يمكنه تجنب تحديات الاقتصاد العالمي إلا بالتكاتف وحل الأزمات القائمة وإلا فالمزيد من الاضطرابات ستسود العالم خصوصاً الدول النامية والفقيرة.