د.شريف بن محمد الأتربي
على مدار السنوات الماضية وأنا أطالب - ولا زلت أطالب- أن يكون هناك تقنينٌ لانخراط الأفراد في مجال العمل التعليمي، سواء كمعلمين أو إداريين، وضرورة التأكد من صلاحيتهم علمياً، ونفسياً لممارسة هذه المهنة المثقلة بالأعباء، ولا يكفي فقط إخضاعهم للتقييم، أو اشتراط الحصول على الرخصة المهنية، وإنما ينبغي أن يكون عملهم في هذا المجال نابعاً من رغبة أصيلة وأكيدة لمثل هذا العمل.
وحتى نتمكن من الحصول على هذه الفئة المميزة من ممتهني مهنة التعليم، ينبغي علينا أن نعمل على تعليمهم أولاً؛ ومن ثم تمهيرهم حتى يتمكنوا من تقديم أفضل المستويات، وتحقيق أفضل النتائج، وامتلاك أفضل الأدوات للعمل في هذا المجال المترامي الأطراف، المتشعب المعارف والمهارات.
والفرق بين بين التعليم والتمهير فرق كبير جداً، وإن كان كلاهما يساعد في بناء الشخصية، وثقل الفرد للانخراط في المجتمع، سواء المجتمع الذي يعيش فيه أو الذي يعمل به.
والتعليم يُعرف بأنّه: عملية منظمة تهدف إلى اكتساب الشخص المتعلم للأسس العامة البانية للمعرفة، ويتم ذلك بطريقة منظمة، ومقصودة، وبأهداف محددة، ومعروفة. وهو عبارة عن نقل للمعلومات بشكل منسق للمتعلم. وهو أيضاً عبارة عن معلومات، ومعارف، وخبرات، ومهارات يتم اكتسابها من قِبَل المُتلقّي بطرق معينة. فالتعليم مصطلح يُطلَق على العملية التي تجعل الفرد يتعلّم علماً محدداً أو صنعة معينة، كما أنّه تصميم يساعد الفرد المُتلقي على إحداث التغيير الذي يرغب فيه من خلال علمه، وهو العملية التي يسعى المعلم من خلالها إلى توجيه المتعلم لتحقيق أهدافه التي يسعى إليها وينجز أعماله ومسؤولياته، ويتم على فترات زمنية طويلة نسبياً.
أما التمهير فهو من: تَمَهَّرَ: (فعل). تمهَّرَ في يتمهَّر، تَمهُّرًا، فهو مُتمهِّر، والمفعول متمهَّر فيه
تَمَهَّرَ الصَّانِعُ فِي عَمَلِهِ: صَارَ بَارِعاً فِيهِ، تَحَذَّقَ، حَذَقَ، تَمَكَّنَ.
والمهارة هي قدرة الشخص وخبرته في أداء مهمّة معيّنة، حيث تأتي هذه القدرة من خلال التعلّم الممنهج والممارسة والتمرين المستمرّين. إنها باختصار نتيجة المثابرة وبذل الجهد للتحسّن والتطوّر في مجال معيّن.
والمهارات هي: «القدرة على عمل شيء جيد. خبرة»، أو «قدرة معينة».
والمهارات تشير إلى القدرة على تطبيق المعرفة في مواقف محددة. يتم تطوير المهارات من خلال الممارسة، من خلال مزيج من المدخلات والمخرجات الحسية.
ومع التطور السريع في التقنيات، والتي أدت بدورها لسرعة نمو المعارف وتقلص الاهتمام بالمهارات حدثت فجوة المهارات، فبدأ الحديث عن مهارات القرن الـ21، والمهارات الحياتية، والمهارات الصلبة، والمهارات الناعمة، وغيرها من المهارات التي قد يحتاجها الفرد للتأقلم مع البيئة المحيطة به. وقد أشارت العديد من الدراسات إلى حدوث هذه الفجوة، ففي دراسة استقصائية أجرتها شركة McKinsey مؤخرًا أظهرت أن تسعة من كل عشرة مدراء تنفيذيين يقولون إن مؤسساتهم إما تواجه فجوات في المهارات بالفعل أو يتوقعون تطوير فجوات في المهارات في السنوات الخمس المقبلة.
بالإضافة إلى ذلك، يقول 1 من كل 5 عمال إن مهاراتهم المهنية ليست حديثة، حيث قال 85 % من الموظفين إنهم كانوا يرغبون أن تقدم لهم شركتهم المزيد من التدريب على المهارات الجديدة خلال العام المنصرم. علاوة على ذلك، وجد تقرير Skillsoft)s Mind the Gap أن 48 % من موظفي LالجزيرةD يعتقدون أن فريقهم غير مؤهل لتقديم ما هو مطلوب لأعمالهم.
نتيجة لذلك، يقول 62 % من محترفي التعلم والتطوير أن «سد فجوة المهارات» هو أولويتهم الأولى.
وحتى تنجح عملية التمهير فنحن نحتاج إلى التخطيط للتمهير، بداية من وجود أهداف واضحة للمهارات المراد اكتسابها، والتركيز في كل مرحلة على مهارة محددة، وعند التأكد من اكتسابها يتم الانتقال إلى مهارة جديدة تنبني على ما سبق في شكل تراكمي حتى الوصول للمستوى المطلوب.
وتعد الممارسة والتكرار عاملاً مهماً في إكساب المهارة، فلا مهارة دون وجود ممارسة فعلية لها ووجود طرق قياس محكمة لتحديد نسبة امتلاك المهارة قياساً بالنسب العالمية أو المتعارف عليها.
والمهارة لا تعمل بمعزل عن المعرفة، بل هما متكاملتان، فالمعرفة سبب للتمكن والإبداع والتوريث في المهارة، ولكن ليست شرطاً في امتلاكها.
وتعد المحاكاة واحدة من أهم مراحل التمهير، ففي المراحل الأولية لاكتساب المهارة تكون المحاكاة والنماذج فعالة في تطوير الأداء الأولي، ولهذا نجد أن مهارات كالأسلوب الكتابي أو الخطابي غالباً ما تتأثر بنموذج معين وتحاكيه حتى تنفك منه وتتجاوزه وتصبح ذات طابعها الخاص.
وأخيراً حتى نوفر للمجتمع التعليمي القوى العاملة الماهرة، نحتاج إلى تهيئة كل عوامل النجاح للجهات العاملة على إعداد هؤلاء المعلمين سواء في أثناء مراحل التعليم، أو قبل الانخراط في العمل، بحيث يكون تواجدهم داخل العملية التعليمية ليس معرقلاً لها ولا يسبب صدمة لهم، بل تكون عملية الاندماج سهلة وبسيطة، وفاعلة في نفس الوقت.
***
- مستشار تعليم وتدريب