د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
نتفق جميعاً على أن المكون الأساس الذي يشكِّل عقول الطلاب ويملأ فجوات التفكير عندهم هي المناهج التعليمية وهي من أولويات الخطاب التعليمي ومن خلالها تتحقق مسؤولية الاستخدام الإبداعي والتميز المدرسي! ويبقى التعليمُ متكئاً في جله ولبّه على المحتويات التعليمية الممنهجة التي تُحدثُ التغيير؛ وتبقى التربية وسيلة لضمان الاستمرار والبقاء وكلاهما يمثِّلان التربة والبذور والري والمخصِّبات التي تنبتُ الحضارة وتدفع للتنمية المستدامة، ويُستنبتُ منهما غراس التعايش الوطني وتعزيز الهوية: ويُعتبر المنهج الدراسي من المواضيع التربوية المهمة؛ لأنه أداة مجتمعية ودولية لتحقيق الأهداف وتحقيق الخطط التنموية الشاملة على المدى القريب والبعيد كما يُعدُّ وسيلة لتشكيل وتقويم سلوكيات الأفراد والمجتمعات!
وإذا ما اتفقنا على أن المعرفة ممكِنة وممكّنة، وأن هناك مكاناً لا سواه في المنظومة التعليمية صالح لإطلاقها وهو الفصل الدراسي وأن شخصاً واحداً هو من يستطيع أن يبلّغ المعرفة وهو المعلم؛ واتفقنا أيضاً على أن إصلاح التعليم يكون من خلال تقويم كيفية إدارة وتنفيذ المحتوى التعليمي أولاً. فإن المنظور العام لصياغة معايير المناهج لا بد أن يُبنى على الرؤية العامة للدولة، وأن لا يكون الكتاب المدرسي الخيار الأوحد؛ بل لا بد من التوجه إلى صياغات تمكِّن من تنويع التعلّم، وأن يكون نسق المعايير قابلاً للقولبة والتطبيق في جميع بيئات التعلّم، وأن تركّز فلسفة بناء المعايير على امتلاء الوحدة التعليمية باعتبارها قيمة معرفية عليا حتى تكون مصدر الإلهام الأول لتبنّي نموذج وطني للمحتوى التعليمي يعمم بعد استيفاء نموذجنا الوطني من خلال رؤية بلادنا الفريدة 2030 كما أنه من القواعد الكبرى لصناعة شروط ومعايير المحتوى التعليمي أن يكون بناؤها ومن ثم قولبتها للتنفيذ في مسارات مختلفة الجرعات والتركيز وفق الأهمية؛ ومثال ذلك أن يتربع المسار الوطني في كل زوايا المنهج فما أشد حاجة الأجيال الحاضرة والمستقبلية إلى ذلك، وأن يأخذ النصيب الأوفى من المحتوى المعرفي الذي تتوافر على إنتاجه محددات عميقة جداً بما يجب أن يكون، ومن ثم جرعات مركّزة من المعرفة المقرَّرة في مصفوفة العلوم والتجارب التربوية العميقة المتشابهة والمنْتجة في المجال، وأن تكون صناعة المعايير الوطنية للمناهج مما يُسهِّل على منتجي المحتويات أن يركِّزوا على المهمة التربوية وتقديم المعرفة مرتبة منهجياً وفق قدرات الطلاب؛ بمعنى أن يكون الشرط التربوي منصباً على قدرات الطلاب ومكوناتهم العقلية والنفسية، وأن تنطلق فلسفة صناعة شروط ومعايير المحتوى التعليمي من قدرتها على تمكين المتعلمين من تشكيل رؤاهم، وأن تكون لهم خصوصية الإضافة المعرفية.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا أن تكون خطوط الإنتاج واحدة وإلا فإن الطريق لفهم الانحرافات لن يكون واضحاً! ولقد باتت أزمة المناهج اليوم تتطلب نظاماً تكوينياً لاتخاذ تدابير أكثر تبصراً! وأمتن رباطاً لإسقاط الرؤى المستقاة من واقع الطلاب الذي يقوم على الدليل والقدرة التحليلية التي تغرس في نفوس الطلاب احترام سلطان المعرفة، وركوب قطارات العالم اليوم على اختلاف محطاتها، والتمثّل بمنظومة متكاملة من الأخلاق والقيم العليا التي تعتبر ضامناً أساسياً في الحصول على المكاسب وتجاوز المخاطر مما يعني تحرير عقول المتعلمين من النمطية إلى الفضاءات العليا؛ ونعلمُ أن العالم يغص بالأذكياء الذين يحللون الأمور بعقلانية ولكن صناعة المناهج تحتاج أيضاً إلى الحكماء الذين يدركون المعيار الأعمق، والمعنى الأبلغ؛ وفي صناعة المناهج التعليمية لا بد أن يسبق العقل الحركة، وأن تُقاس القيمة قبل التخطيط؛ والمراد قبل التنفيذ؛ فهناك من المحتويات التعليمية ما كنا نعدها الأبرز؛ وعندما دُفِعَ بتلك المحتويات نحو المقدمة في عصرنا الحاضر تبعثرتْ وضاعتْ في ظل واقع معرفي منافس بأوزان ثقيلة، فدائماً ما تكون المكاسب العاجلة وإن صفقتْ لها الأيدي لكنها مع تعاقب الزمن تزيد من أعداد العطشى! وخلاصة الحديث أن يتوافر عند صانعي شروط المناهج والمنتجين للمحتويات معرفة عليا بالثغرات التي اكتشفها الأولون والآخرون في نظريات التعلّم بما يمكّنهم من أن يحسموا ذلك الخلاف والاختلاف!
وما زلنا ننتظر أن تصبح الأرض التعليمية مخضرة!