عبد الله سليمان الطليان
لم تكن أمريكا تخوض لعبة المصالح في هذا الوقت بل منذ زمن طويل، ولعل كتاب (لعبة الأمم) الذي ألفه (مايلز كوبلاند) في الستينيات خير مثال على ذلك، ولقد تغيرت أساليب هذه اللعبة مع الوقت وتطورت وفقاً لهذه المصالح, هذه الأساليب لها عدة طرق مختلفة كلها تصب غالباً في مصلحة الشركات الأمريكية، سوف أعطي صورة لبعض هذه الأساليب التي تمارس على نحو خطير وبشكل مدروس وسري، وهناك تشبيه يمكن أن يطلق على هذه الأساليب، فإذا كان فيه رغبة في الاستيلاء والسيطرة على اقتصاد بلد وثرواته، في البداية يرسلون (القطط) لكي تشم رائحة المصالح عبر قنوات ومسميات مختلفة، ممكن تقديم خدمة طبية أو تبشيرية أو حماية الغابات والأدغال أو التنقيب عن الآثار أو تصوير أفلام هذا على الأرض، يصاحبه أحياناً التصوير بالأقمار الصناعية والتنصت على المكالمات الذي شهد تطوراً مذهلاً، وخير مثال هي دول أمريكا الوسطى التي طبقت فيها بعض من هذه الأساليب، وبعد جمع المعلومات تأتي مرحلة التنفيذ والهجوم عبر (الأسود) في داخل البلد عن طريق السفارة أو خارجه بالتدخل العسكري.
أعود لمسألة التنصت على المكالمات في العام 1947 اتحد رؤساء الجاسوسية البريطانيون والأمريكيون ليشتركوا في معلومات الأمن، وقرروا تشغيل نظام رقابة مشتركٍ ورمزوا إليه بكلمة إيشيلون Echelon، وانضمت إليهم فيما بعد ثلاث أمم تتكلم اللغة الإنجليزية وهي كندا وأستراليا ونيوزيلندا، وإن كانت الولايات المتحدة قد ظلت هي الشريك المسيطر. كانت الفكرة سديدة، تتمثل في تجديد التحالف الذي نجح في هزيمة ألمانيا النازية، وإفشال تهديد جديد هو تهديد روسيا السوفييتية، كانت موسكو على حافة اكتساب ترسانة نووية ضخمة وكانت تحاول ما لم تحاوله من قبل، وهو بسط نفوذها على الكرة الأرضية. واتفق البريطانيون والأمريكيون على أن من الأفضل لهم احتواء هذا التهديد الجديد بالعمل معاً. وفي أمريكا أنشئت وحدات استخبارات عسكرية في Sugar Grove في ولاية فيرجينيا الغربية.
أما في بريطانيا فقد أقيمت محطة تنصت في مينويث هيل Menwith Hill في يوركشاير في شمال إنجلترا بعيدة عن لندن وأصبحت أهم موقع دولي بالنسبة إلى المجموعة ولا سيما بالنسبة إلى وكالة الأمن القومي NSA الأمريكية، وكانت هذه الوكالة هي اللاعب الرئيسي في إيشيلون. ومازالت كتب التاريخ لم ترو بالتفصيل أهمية الدور الذي لعبه المشروع في صد انتشار الشيوعية السوفييتية. ولكن مما لا شك فيه أنه لعب دوراً، وفي العام 1989 انهار جدار برلين، وفي العام 1991 تهاوت الكتلة السوفييتية كلها واختفى التهديد الشيوعي تقريباً. ولكن رقابة إيشيلون الإلكترونية لم تنته، وبعد ذلك بعشر سنوات، في فبراير من العام 2000 برزت ادعاءات مذهلة. لم يعد نظام إيشيلون يستخدم للتجسس السياسي والعسكري ضد الديكتاتوريات التي هددت (العالم الحر) وإنما صار يستخدم لمراقبة النشاطات التجارية اليومية لشركات تنتمي إلى بعض حلفاء أمريكا وبريطانيا الخلص.
وفضلاً عن ذلك دل ما تم من تقدم كبير في ميدان التكنولوجيا خلال التسعينيات على أن النظام قد أصبح الآن في منتهى القوة، بحيث قيل إنه أصبح قادراً على التقاط كل كلمة تنقل عبر الهاتف أو الفاكس أو البريد الإلكتروني عن طريق الأقمار الصناعية في أي مكان في العالم. ومن المخيف أن هذا ينطبق علينا جميعاً. إن كل مكالمة هاتفية أو رسالة بالبريد الإلكتروني يمكن مراقبتها وهذه لها مدلولات هائلة. لقد استخدم رؤساء التجسس كبار الأمريكيين وربما البريطانيين إيشيلون للتجسس على الأفراد ونقل أسرار تجارية للشركات الأمريكية، كل هذا في إساءة استخدام هائلة للغاية الأصلية لهذا النظام. إن هذه الكشوف المذهلة قد أعلنت في شهر فبراير من العام 2000 عندما رفعت السرية عن وثائق لوزارة الدفاع الأمريكية وأرسلت عبر الإنترنت. وقدمت لأول مرة تأكيداً رسمياً أن مثل عمليات التنصت الإلكترونية العالمية موجودة فعلاً. (كشف لأول مرة عن وجود إيشيلون في العام 1996 عميل مرتد في نيوزيلندا، ولكنها لم تثبت قبل ذلك).
وفي غضون أيام نشر البرلمان الأوروبي تقريراً يشتمل على ادعاءات خطيرة. وقد قيل إن الشركات الأمريكية سرقت عقوداً موجهة لشركات أوروبية وآسيوية بعد أن اعترضت NSA (وكالة الأمن القومي أحاديث ومعلومات ثم حولت إلى وزارة التجارة الأمريكية لتستخدمها الشركات الأمريكية ).
بعد هذا نقول تبقى الديمقراطية الأمريكية شعاراً زائفاً يصدقه المغفلون. (هذا منقول من كتاب السيطرة الصامتة* تأليف: نورينا هيرتس).