سلمان بن محمد العُمري
استعد مجموعة من الأصدقاء لرحلة صيد خارجية في إحدى البلدان الإفريقية وكان ثلاثة من الخمسة في هذه الرحلة يذهبون للمرة الأولى، ويقود رحلتهم من رغبهم في هذه الرحلة وهو كثير التردد على البلد المقصود حتى صار يعرف الطرقات والأماكن والظروف الطبيعية أكثر من أهلها.
كان قائد الرحلة يستثمر رحلات الصيد في بذل ما يستطيع من خدمة الفقراء والمعوزين من مسلمي المنطقة ولو بأقل القليل، وكان هذا الهدف الأسمى ضمن أولويات رحلته من التنزه والمتعة، وخلال تجولهم في مناطق الصيد يحملون معهم شيئًا من الملابس ولو كانت مستعملة، وكذلك الأكل الذي يجودون به على من يمرون بهم من أهل القرى والصحاري، وكان من بين القادمين معهم على هذه الرحلة (رجل أعمال) وقد أنعم الله عليه، ورأى حال الضعفاء والفقراء الذين لا يمكن وصف ما هم عليه من البؤس والحاجة حتى أن رجلاً كبيراً من السن قابلوه لا يكاد يرتدي سوى قطعة قماش تستر عورته فيما صدره وظهره وقدماه وساقه وما فوق الفخذين ليس عليها شيء، فما كان من هذا الرجل سوى أن خلع ثوبه وألبسه الرجل الضعيف، وأخرج شيئًا من المال فقدمه لهذا الرجل الطاعن بالسن، والذي يبدو أنه قد شاهد هذه الأموال لأول مرة في حياته فضلًا على أنه لا يعرف قيمتها ولا ما تعادله في بلدهم، ولولا أن أحد أبناء البلد المرافقين معهم في الرحلة أخبره عن قيمة هذا المبلغ، وكم تكفي لشراء عدد من الأغنام أو الأبقار لما عرف الرجل. ما أعطي له، وقد دمعت عينا الرجل المعطي وليس المستقبل لأنه لم يكن يتصور أن يرى هذا المنظر. يقول المرافق لهم في الرحلة لم يكتف هذا الرجل بما قدمه للرجل الضعيف بل بادر منه الغد للسوق واستأجر قافلة وحملها بكميات كبيرة من المأكولات المستخدمة في بلادهم وقام بتوزيعها بل إنه حينما عاد من الرحلة تبرع بكل ما معه حتى الحقيبة وما فيها من ملابس ولوازم واكتفى بمبلغ يسير للطريق وثوبه الذي عليه.
الشاهد من هذه القصة أن الرجل قال لم نكد نعرف ما نحن فيه من النعم حتى شاهدت بأم عيني المناظر التي تحزن وتبكي، فقد تجد من لم يأكل لعدة أيام، ومن لم يذق حتى الماء لما يزيد عن اليومين، ومن يسير أو يركب على حمار أو دابة لما يقرب النصف من النهار، حتى يحمل برميلين من الماء، ونحن نرفل في النعيم.
يقول أيضاً: كنا نزور بلدانًا راقية ونجد عندهم الطعام الوفير والسكن الأثير، وربما أننا نستنقص ما لدينا من النعم، ولكن حينما شاهدنا هؤلاء عرفنا قدر النعمة، ونسأل الله سبحانه وتعالى المزيد وأن يحفظها من الزوال، ولم أكن أتخيل ما سمعته من الأجداد عن أحوالهم وأحوال السابقين حتى رأيت هؤلاء وما هم عليه من فقر وعوز وحاجة، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد وجه في كتابه محذراً بقوله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلَُّّنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)، وهذا السؤال عام لمن يملك أولمن لا يملك فكيف سيكون جوابنا ونحن نرفل بالنعم والخيرات، وماذا سيكون جوابنا عن هذا النعيم الذي نحن فيه من هذه الدنيا، من أين اكتسبنا، وماذا عملنا فيه، والنعيم شامل لكل نعمة أنعم الله علينا ليس في الأرزاق فحسب بل حتى في الأمن والصحة وسائر النعم.
ثم استذكر صاحبنا ما كان عليه الآباء والأجداد، وكيف بدل الله أحوال الأمم، فكم من بلاد كانت مضرب المثل في الخيرات والأرزاق والزروع والتجارة، والآن يبحث أبناؤها عن لقمة العيش في بلدان أخرى بعد أن فقدوا الأمن والأمان والرخاء والعيش الرغيد، وكم من بلدان تشكو الفقر والعوز والشتات واضطراب الأمن وأنعم الله عليها بالخيرات كما بلادنا التي تغير حالها ولله الحمد، فبدل خوفها أمناً، وفقرها عيشًا رغدًا، فالحمد لله الذي أطعمنا وسقانا من غير حول منا ولا قوة.