حكم النظر والمشاهدة لقنوات الكهان والعرافين.. والاتصال بالمشايخ الروحانيين (الكهان والعرافين)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «العراف اسمٌ للكاهن والمنجِّمِ والرمَّال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق.
فقيل: العراف والكاهن مترادفان كما سبق.
وقيل: العراف يخبر عن المستقبل، والكاهن عن الماضي.
وقيل: الكاهن من يخبر عن الشياطين في معرفة الأمور.
والعراف: يخبر عن المغيبات بأمور وعلامات يستدل بها لا بواسطة الجن.
والأقرب: الأول لأن القاعدة: تفسير الشيء بمادته، أولى من تفسير الشيء بغير مادته -وقد سبقت في القواعد-.
1- روى مسلم عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً).
وهذا يدل على أنه لا يخرج من الإسلام بمجرد السؤال، لكونه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً فقط، ولو خرج بذلك من الملة لم تقبل له صلاة مطلقاً حتى يتوب ويدخل في الإسلام من جديد.
والذهاب للعرافين ليس بشرط، بل هو طريق للمقصود، فلو سألهم عبر النت أو الهاتف أو البث ونحو ذلك فله حكم إتيانهم، والإتيان هو الوسيلة الأكثر آنذاك، والقاعدة: ما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له.
2- روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ)وصححه الألباني في «صحيح الجامع».
وهذا الحديث في لفظة (فصدقه) شاذة، فالثقات الأثبات رووا الحديث بدونها بل بلفظ (لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)، وفي حديث أبي هريرة هذا علة في السند وهي أن خلاساً لم يسمع من أبي هريرة.
ولو صحت لكان الجمع: لم تقبل له صلاة أربعين يوماً لمجرد سؤاله الكاهن أو العراف، فإذا صدق خرج من الملة لتصديقه إياه، وتكذيب القرآن في أن علم غيب المستقبل لا يعلمه إلا الله لقوله تعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}.
ومن أهل العلم من حمل التصديق على الكفر الأصغر لا الأكبر جمعاً بين الدليلين، وفي نظر لسببين:
أ- للنص الوارد (فقد كفر بما أنزل على محمد) والكفر بالتنزيل لا يكون إلا كفراً أكبر.
ب- أن الحديث بلفظ (فصدقه) لم يصح، فلا تعارض بينهما.
وبناء على ما سبق فالذي يظهر رجحانه: أن مجرد السؤال للكهان والعرافين لا يخرج من الملة، وعقوبته لا تقبل له صلاة أربعين يوماً.
فإن صدقه، وكان الحامل له على تصديقه غير اعتقاد علم غيب المستقبل، لم يخرج من الملة مع تحريمه، ككون تصديقه لكونه عرف ذلك من مسترق السمع، أو أخذ ذلك عن الجن، وخصوصاً إذا كان ذلك من علم غيب الماضي لا المستقبل، لكونه غيباً نسبياً.
وأما إذا كان الحامل له على التصديق هو اعتقاد كون غيب المستقبل يعلمه غير الله فهذا كفر أكبر، لكونه مكذباً لكتاب الله تعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}.
3- سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد وقد خبأ له الدخان، فقال: ما خبأت لك، قال: الدخ، فقال صلى الله عليه وسلم: (اخسأ فلن تعدو قدرك).
وهذا يدل على جواز سؤال العرافين لبيان عورهم وكذبهم، واختبارهم لبيان زيفهم وعورهم.
وبهذا يتبين تحريم النظر إلى تلك القنوات، والاتصال بالكهان والعرافين الذين يسمون أنفسهم في الشبكة العنكبوتية بالشيخ الروحي، وأن تصديقهم قد يصل إلى درجة الخروج من ملة الإسلام كما سبق، والله تعالى أعلم.
***
محمد بن سعد الهليل العصيمي - كلية الشريعة - جامعة أم القرى - مكة المكرمة