حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
زاحمت المرأة الرجل في كثير من مجالات الحياة, في العلم والتربية والاقتصاد والسياسة والاجتماع, وهذه المزاحمة باتت واقعية وصادقة وحقيقة في تاريخ العالم أجمع, فهي لم تترك منفساً واحداً إلا وقارعته عليه أعني الرجل وأقرب مثال على هذا رسم الخط العربي، حيث عرف التاريخ وعرّف أسماء خطاطات أبدعن في رسم المصاحف ومصنفات الدين والأدب والعلم، ويحكى لنا بعض ما كتب عن الخط العربي من مصنفات أن خط المرأة قد يضاهي خط الرجل، بل ربما يتفوق عليه، وذلك لأناملها الدقيقة، وطبيعتها الرقيقة.
يقول المؤرخ الانجليزي (كلاى) بعد اطلاعه على تاريخ المرأة العربية المسلمة: إن المرأة كانت تجاذب الرجل سياسة الأمة، وولاية الأمر، وجد العلم وشؤون الحياة.
والتراث العربي يشير إلى جدل في تعليم المرأة، لم يحسم إلا في القرن العشرين ومع هذا وذاك فهو يكشف لنا عن أسماء نسائية: أسست أشهر المدراس وأرقى الجامعات، وخصصت الأوقاف الكثيرة لها، في كل من أقطار العالم العربي والإسلامي، كمصر والشام واليمن والعراق.
وأكد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على ضرورة تعليم المرأة، ففي كتاب الطبقات الكبرى أتى فيه العالم محمد بن سعد بأكثر من سبعمائة امرأة، روين عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والثقات من الناس، وخصص الإمام النووي في تهذيب الأسماء حيزاً فائضاً عن النساء اللاتي تميزن بالثقافة العالية لا سيما في علوم الدين والفقه ورواية الحديث، وذكر الأديب أبو حيان التوحيدي بأنه كان من شيوخه ثلاث نساء وهن (مؤنسة بنت الملك العادل، وشافية بنت الحافظ، وزينب بنت عبد اللطيف، والعالم ابن الجوزي الذي لا يتباعد عنا كثيراً فقد ذكر أن من شيوخه) امرأة وابن قيم الجوزية رحم الله الجميع.
وكتاب (أعلام النساء) للأستاذ محمد رضا كحالة خير شاهد، وأصدق دليل على إبداع المرأة وتألقها وقد لا يعلم الكثير من الناس أن أول جامعة عرفها التاريخ تأسست بفضل امرأة عربية وهي جامعة القرويين التي أنشأت عام 859هـ وذلك بمدينة فاس المغربية، وهي أقدم جامعة عرفها التاريخ في العالم على تطاوله وامتداده، وذلك وفقاً لما ورد في موسوعة جينيس للأرقام القياسية، وفاطمة الفهرية التي شيدتها توفيت عام 878هـ وقد قال عنها علامة الاجتماع ابن خلدون مشيداً بدورها في التاريخ: (فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها) وهي ما زالت تعمل على أنها مؤسسة اكاديمية على أرقى المستويات حتى يومنا هذا.
يقول الأستاذ محمد عيد كمال في كتابه النضير (مدارس أنشأتها نساء في العالم العربي والإسلامي) كنهه وفحواه: (إنها المرأة التي وثب بها الإسلام ووثبت به، فكان أثرها في تكوين رجاله، وتصريف حوادثه أشبه ما يكون بأثر الغدير الفياض في زهر الرياض، كان للمرأة العربية دقة الحس، وقوة العاطفة، وبعد الخيال، حتى فاقت الرجال في ذلك، ولما أسفر نور الإسلام افتر ثغر الدهر للعرب على جو مشرق، وأمل بعيد وأسلوب من الحياة جديد، فبعد أن كان للمرأة في جاهليتها فضائلها، ومواهبها الموروثة، نعمت بظل الإسلام، وورفت بظلاله، فنهلت من معين العلم، وضربت بسهم في التشريع إلى أن فاتت نساء الأمم كلها).
ويقول أيضاً: (وقد عرف بدمشق الكثيرات من العالمات والفقيهات والمحدثات والشاعرات وأسهمت المرأة الدمشقية في بناء المدارس، ونشر العلوم، وذكرت كتب التاريخ والتراجم والتربية تسع عشرة مدرسة أسستها النساء ما بين (526- 660هـ - 1132 – 1262هـ) في دمشق في فترة لم تتجاوز القرن والربع،... وقد عرفت عاصمة سوريا الشمالية الكثير من المدارس، ومراكز إشعاع الفكر والعلم والحضارة، في عهد الحمدانيين عرفت شيئاً من ذلك، الزنكيون، والأيوبيون كانوا رجال فكر إلى جانب كونهم رجال حرب، فاهتموا بالمؤسسة التعليمة... والمرأة... لعبت دوراً مهماً في عصر العلم... فأنشأت المدارس والزاويا والسبل والمساجد الخوانق وجرت المياه إلى المدينة).
ومن خاتونات تاريخ الأيوبيين اهتمت المرأة بإنشاء المدارس، وتشييد الجامعات، من ذلك ما فعلته خاتون أم شمس الملوك التي شيدت المدرسة الخاتونية وأوقفت عليها وادي الشقراء، وقد كان هناك خاتونات أخريات أنشأن مدارس عامرة، ومعالم ظاهرة في كل من حلب وحماة ودمشق وطرابلس والقاهرة، واليمن والحجاز ومكة، والعراق، والهند ونيجيريا ومن هذه المحافل النسائية ما ينصب في القول التالي:
- نساء حلب أنشأن مجمع الفردوس خارج المقام في محطة الفردوس.
- أنشأت الملكة ضيفة خاتون مجمعاً وهي زوجة الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين ووالدة الملك العزيز محمد بن غازي وجعلت فيه مدرسة ومسجداً ورباطاً وزاوية وتربة.
- ست الشام الخاتون فاطمة وقيل: زمرد بنت نج م الدين ايوب وهي أخت القائد الذائع صلاح الدين الأيوبي (1219م) أنشأت مدرستين واوقفت عليها الكثير من الأوقاف وهما: المدرسة الشامية البرانية. والمدرسة الشامية الجوانية. وفرغت علماء عصرها لها، واشترطت عليهم ألا يدرسوا في مدارس أخرى لضمان تفرغهم لها فصارت من أعظم المدارس الشامية، وحسبك أنها عينت الفقية الشافعي تقى الدين أبن الصلاح ناظراً ومديراً لها.
- المدرسة الرحيمية في حارة الدولاب بحلب والتي حولتها رحمة قاذين بنت عبد القادر بن أحمد من سكان محلة الجبيلة حيث حولتها من دار سكنية إلى مدرسة شرعية.
- خوند بركة: مدرسة أم سلطان أنشأت بركة أم السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين مدرسة عرفت بمدرسة أم السلطان التي ذكرها المقري في كتابه.
- المدرسة الخاتونية من مدارس طرابلس الشام أنشأتها أرغون خاتون زوجة والي دمشق عز الدين الأشرفي.
- ومن مدارس النساء في العصر الحديث التي شيدت في الشام مدرسة دوحة الأدب أنشأتها عادلة بيهم ومدرسة نور الفيحاء التي أنشأتها نازل العابد.
- فاطمة بنت الخديوي إسماعيل أميرة اشتهرت بكرمها حيث وهبت الجامعة التي كانت تحت مسمى الجامعة المصرية قطعة أرض بقرب قصرها في ضواحي القاهرة، كما أوقفت عليها وتبرعت بمجوهراتها والتي قدرت بمال وفير لبناء الجامعة، وتبرعت أيضاً بنوادر من كتب وفرائد من مخطوطات والتي قد اهديت لها من ملوك العالم.
- اليمن به ثلاث وثلاثون مدرسة أنشأتها نساء اليمن فهناك الأدر الكريمة جهة صلاح: أنشأت مدارس ناهضة وهي أم الملك على داود خامس ملوك الدولة الرسولية والتي تولت الحكم حين اعتقاله في مصر لمدة أربعة عشر شهراً، وهي من شيد المدرسة الإصلاحية في مدينة زبيد، ومدرسة في قرية السلامة في تعز وأوقفت عليها الأوقاف الكثيرة.
- في الهند حيث السلطانة رضية بنت التتمش من سلالة المماليك الأتراك، الذين حكموا عاصمة الهند (دلهى) وامتد حكمها بين عامي (1236 – 1240م).
- لا ننسى شاهجان بيكم الهندية ملكة بهوبال حيث شيدت المدارس العلمية المختلفة وبنت المساجد التي جمعت فيها نفائس الكتب، ونوادر المصنفات، وهي ممن ترجم لها الأستاذ محمد عمر كحالة في كتابه التحفة (أعلام النساء).
- نانا أسماء حفيدة المجدد الديني المعروف عثمان بن فودي في غرب افريقيا وهي عالمة وفقيهة وشاعرة، نشرت التعليم في نيجريا وغرب أفريقيا أنشأت حلقات لتعليم المرأة الكتابة.
ومن نافلة القول واضافته الاشارة إلى أن جامع القرويين بفاس والذي شيدته السلطانة فاطمة بنت محمد الفهرية هو جامع عامر بالعلم والمعرفة ويعادل في أهميته الجوامع الثلاثة وهي الأزهر والأموى وقرطبة وقد بنت هذه الصومعة الفكرية من مال ورثته عن ابيها وزوجها وأختها وتحدثنا كتب التاريخ عن زهدها
- ورعها فقد بقيت صائمة طوال مدة بنائه – رحمها الله.
وبعد:
فهذه صفحات قلة تأتي على استحياء وخجل، علها تنفض الغبار عن بعض من صفحات المرأة العربية والمسلمة لتظهر للأجيال ما قدمته المرأة للتاريخ من مدارس أصبحت على امتداده وتطاول أزمنتة جامعات غذت علماء ومفكرين ولامعين، وبين جدرانها تألق المتألقون من محدثي الزمان ومفقهي الأنام، وأطباء العيان كذلك أفرزت وتمخضت عن نساء عالمات وفقهيات ومحدثات وأديبات.
مراجعة المادة:
- مدارس أنشأتها نساء في العالم العربي والإسلامي لمحمد عيد الخربوطلي.
فاتنة كردي – البيان. 6 أغسطس 2007م
- نساء الدولة الرسولية وتاريخ بناء المدارس في اليمن.
بشير زندال – المدينة – سبتمبر 30 – 2019م
- نساء مسلمات أسسن أشهر الجامعات.
ثروت البطاوي– قنطرة. 22 – 2017م
** **
-بنت الأعشى-