خالد محمد الدوس
تهتم العلوم الاجتماعية بدراسة السلوك الإنساني والذي يشمل جوانبه الاجتماعية والثقافية وتضم العديد من العلوم الإنسانية مثل علم الاجتماع وعلم النفس والخدمة الاجتماعية والاقتصاد.
وتعود العلوم الاجتماعية إلى الأصول الإغريقية واليونانية القديمة وتشكل تراثاً قوياً في تاريخ الفكر الاجتماعي بسبب استفسارهم العقلانية عن الطبيعة البشرية والأخلاق ولذلك فإن علاقة العلوم الاجتماعية بالمجتمع الإنساني علاقة تفاعلية باعتبارها تؤثر على بنائه ومستقبله من خلال تمويل البحوث والدراسات العلمية والآثار التي تترتب على الموضعية العلمية.
ولقد اهتم عدد كبير من المفكرين والباحثين في الشرق والغرب بالدعوة إلى إثراء العلوم الاجتماعية ومنها علم الاجتماع.
ومن الخبراء في هذا المجال عالم الاجتماع الإسباني (مانويل كاستليس) الذي يعد من أهم فلاسفة وعلماء الاجتماع في عالمنا المعاصر، ووحد من أهم أعضاء الجيل الثاني من (مدرسة علم الاجتماع في أوروبا)، صاحب كتاب «عصر المعلومات: الاقتصاد والمجتمع والثقافة» الذي ترجم إلى (23) لغة في مشروع ضخم مكث على تأليفه (ست سنوات) تناول التحولات التي تحدثها شبكة الانترنت في الثقافة والتنظيم الاجتماعي من خلال مقابلة (15000) شخصية، و(40000) من خلال العالم الافتراضي (الانترنت) وهو الذي يتحدث عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للإنترنت في هذا الكتاب والذي اعتبره العديد من الباحثين والخبراء في علم الاجتماع (نظرية) معاصرة تستحق كامل الاهتمام لارتباطها بالتغيرات الحاصلة، حين أشار-في تحليل مجتمع الشبكات- أن العالم اليوم يعيش (مجتمع شبكي) لم تعد فيه وسائل التنشئة الاجتماعية تلعب أدوارا هامة حيث تحول دور الأسرة والمدرسة إلى مستويات أدنى مما كانت عليه قبل ثلاثة عقود زمنية..!
ولد العالم الإسباني «مانويل كاستليس» في بلدة هيلين في محافظة لامانشا الاسبانية عام 1942 وكان من شبابه مهتما بالظواهر الاجتماعية والثقافة وبعلم الاجتماع وبعد أن أنهى تعليمه العام غادر إلى فرنسا في عقده الثاني بسبب نضاله ضد فاشية فرانكو والتحق بجامعة السوربون وبعد أن نال البكالوريوس واصل تعليمه العالي في( جامعة باريس) ونال شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع متخصصا في «علم الاجتماع الحضري» وباحثاً في «مجتمع المعلومات والاتصالات والعولمة».. حيث عمل محاضرا في كلية الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية حتى عام 1979 ثم انتقل للعمل في جامعة كاليفورنيا في بيركلي وعمل فيها قرابة عقدين من الزمن، كما عمل في كلية سانت جون بجامعة كامبريدج، وفي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قبل أن يعود إلى موطنه في إسبانيا ويعمل في (جامعة مدريد) الإسبانية وأخيرا جامعة (كتالونيا) المفتوحة في برشلونة، وكانت معظم أبحاثه ودراساته في مجالات مشاكل الحياة الحضرية الموضوع الرئيسي لإعماله الأولى ومشاكل التغير الاجتماعي، وأيضاً مجتمع المعلومات والاتصالات والعولمة الثقافية وتأثير قوة عمل التكنولوجيا على البناء الاجتماعي ..من منظور علم الاجتماع الرقمي. ومن أبرز مؤلفاته التي تجاوزت (20 كتاباً) في مجال علم الاجتماع الحضري كتاب السؤال الحضري 1977، وكتاب المدينة والطبقة والقوة 1978، وكتاب الأزمة الاقتصادية والمجتمع الأمريكي 1980 وكتاب المدينة والجذور الشعبية: نظرية عبر الثقافات للحركات الاجتماعية الحضرية 1983. وفي سياق علم الاجتماع الرقمي من مؤلفاته كتاب: مدينة المعلومات :تقنية المعلومات وإعادة الهيكلة الاقتصادية والعملية الاقليمية الحضرية 1989، وكتاب مجتمع المعلومات ودولة الرفاهية 2002، وكتاب مجتمع الشبكة من المعرفة إلى السياسة 2006، وكتاب الاتصالات المتنقلة والمجتمع- منظور عالمي 2006، وكتاب قوة الاتصال 2009، وكتاب شبكات الغضب والأمل، كتاب الحركات الاجتماعية في عصر الانترنت 2012 وغيرها من المؤلفات التي أثرت مكتبة علم الاجتماع، وتتويجا لهذه المسيرة العلمية البارزة منحُته العديد من الجامعات العالمية العريقة شهادة الدكتوراه الفخرية، كما حصل على العديد من الجوائز والنياشين لإسهاماته الفاعلة في مجالي علم الاجتماع الحضري وعلم الاجتماع الرقمي.. ليختتم مسيرته العطائية في الصروح الأكاديمية بتعيينه وزيراً للجامعات في حكومة سانشيالثانية في إسبانيا عام 2020م.
ولاشك أن العالم الاجتماعي «الثمانيني» الشهير (مانويل كاستليس) يعد من رواد علم الاجتماع الحضري والأب الروحي لعلم الاجتماع الرقمي، وواحد من أهم المنظرين الاجتماعيين في أوروبا وأمريكا وأوسعهم انتشارا في عالمنا المعاصر.. ذلك في خضم كتاباته السوسيولوجية وأبحاثه المؤثرة في مجالي علم الاجتماع الحضري وعلم الاجتماع الرقمي، وأعماله التي تتجاوز الحدود التخصصية التي يعمل في إطارها اغلب الأكاديميين والباحثين ومازال وهو في (عقده الثامن)..! يهرول في مضمار «الاستشارات العلمية».. بروح عطائية، وفكر حيوي رصين، ونشاط بحثي متقد.