أ.د.حمزة بن قبلان المزيني
Hans-Georg Gadamer
TRUTH AND METHOD
Second, Revised Edition Translation revised by Joel Weinsheimer and Donald G. Marsha
London and New York: continuum
Copyright © 1975 and 1989 by Sheed and Ward Ltd and the Continuum Publishing Group. First published 1975; second edition 1989; this edition 2004. Reprinted 2006. All rights reserved
الحقيقة والمنهج
الخطوط الأساسيّة لتأويلة فلسفية
تأليف
هانز جورج غادامير
ترجمة
د. حسن ناظم وعلي حاكم صالح
راجعه عن الألمانية
د. جورج كتوره
(دار أويا للطباعة والنشر والتوزيع والتنمية الثقافية، طرابلس: الجماهيرية العظمى[!]، 2007 إفرنجي [!]، 752 صفحة).
اقتنيت هذه "الترجمة" قبل سنوات للاطلاع على فلسفة الفيلسوف الألماني المشهور هانزـــــ جورج غادامير في دراسة الأدب والعلوم الإنسانية بشكل عام. وحاولتُ أن أقرأها في حينه لكني وجدتها صعبة جدًّا، وظننت أن سبب تلك الصعوبة يعود إليّ لا إلى الترجمة. فوضعتُها على أحد أرفف مكتبتي ونسيتها.
وكنت أبحث قبل أيام عن كتاب في مكتبتي فعثرت بها وخطر لي أن أعيد محاولة قراءتها. ولما قرأت الصفحات الأولى فيها وجدت الصعوبة القديمة نفسها، فأردت أن أتبين سببها. فقررت أن أقرأها مستصحبًا الأصل الإنجليزي الذي تُرجمت عنه، وهو ترجمة للأصل الألماني. وكانت قراءة النسخة الإنجليزية صعبة لكني كنت أتفهمها مع قدر من الجهد والصبر. وكشفت لي قراءة الترجمة الإنجليزية أن صعوبة هذه "الترجمة" العربية ليست في موضوعها بقدر ما هي في الطريقة التي تُرجم الكتاب بها.
ولا شك أن المترجمَين الفاضلين بذلا جهدًا كبيرًا في ترجمة هذا السِّفر الضخم؛ لكن ترجمتهما لم تحقق المطلوب من نقل الكتاب إلى اللغة العربية. فقد تلبَّست هذه الترجمة بكثير من المآخذ التي تجعل هذا النص يكاد يكون مغلقًا. وتتنوع هذه المآخذ؛ فبعضها شكليٌّ وأكثرها يتعلق بصحة الترجمة وعربية الأسلوب.
والملاحظة الشكلية المهمة الأولى عدم ذكر المعلومات التوثيقية المألوفة للكتاب الأصل، وكذلك غياب اسمَي المترجميْن الأمريكيين عن صفحة العنوان الخارجي وصفحة العنوان الداخلي، ولم يورد المترجمان عنهما شيء. وهذه المعلومات التوثيقية ضرورية لا سيما اسمَي المترجمَين الأمريكيين والإشارة إلى عملهما، وهذا حق لهما تمليه الأعراف العلمية.
والملاحظة الثانية عدم ظهور ما يشير إلى اتفاق لترجمة الكتاب إلى العربية بين ناشر الكتاب باللغة العربية وناشر الترجمة الإنجليزية. وموافقة ناشر الكتاب الأصل على ترجمته واجبة في الأعراف العلمية كذلك.
والملاحظة الثالثة أن مترجمَي الكتاب إلى العربية أسقطا جملاً كثيرة وفقرات عدة من مقدمة المترجمَين الأمريكيين وعللا ذلك بقولهما: ". . . إننا أهملنا بعض العبارات في المقدمة الإنجليزية التي تتوجه إلى القارئ الأمريكي أو سوى ذلك" (18). والواقع أن أكثر ما "أهملاه" لم يكن كله "موجَّهًا" إلى القارئ الأمريكي، بل يَدخل فيما "سوى ذلك". ولا يجوز، من حيث المبدأ، أن يحذف المترجم شيئًا من الأصل؛ فقصارى ما يمكنه أن يعلق على ما لا يتفق معه.
والملاحظة الرابعة أن المترجمَين الأمريكيين أشارا في مقدمتهما إلى أن كثيرًا مما كتبه غادامير تُرجم إلى الإنجليزية مما يمهد لاستقبال هذا الكتاب في السياق الثقافي الأمريكي. هذا في مقابل أن السياق الثقافي العربي ليس فيه ما يمكن أن "يمهد" لاستقباله بدرجة مماثلة. ومن هنا، فالتعليق الكثيف على هذا الكتاب "الصعب" مهم للغاية لتبيين غوامضه وإشاراته الثقافية والعلمية والفلسفية في السياق الثقافي والفلسفي الألماني خاصة. لكن "الترجمة" العربية هذه تكاد تخلو من الحواشي التي يمكن أن تجعل فهم الكتاب ميسورًا.
ويعتذر المترجمان في مقدمتهما عما يمكن أن يكون من قصور فيكتبان: "لقد كان أول إحساس داهمنا ونحن نقرأ الكتاب، قبل الشروع في الترجمة، هو أننا نكلف أنفسنا شططاً. وإنه لطموح بعيد أن نقول إننا بلغنا، في ترجمة هذا الكتاب الصعب، أقصى ما كنّا نتمناه. لكننا لم ندّخر وسعاً وبذلنا غاية المجهود من أجله" (ص 18).
ويمكن مقارنة هذا الاعتذار باعتذار المترجمَين الأمريكيين اللذين بيَّنا، مع اعتذارهما، جهودَهما في نقل الكتاب إلى الإنجليزية. وكان يمكن قبول اعتذار المترجمَين الفاضلين لو "ترجما" هذا الكتاب "ترجمة" مؤدية، أو قريبة منها. لكن هذه "الترجمة" تعج، مع الأسف، بكثير من المآخذ المتنوعة. ومن أهمها ما يتصل بالمصطلحات الأساسية في الكتاب. ومن اللافت أن المترجمَين أسقطا من مقدمة الترجمة الإنجليزية ما يقوله المترجمان الأمريكيان عن صعوبة إيجاد مكافئات مصطلحية إنجليزية لبعض المصطلحات الألمانية الرئيسية في الكتاب. فإذا كان هذا هو الوضع بين لغتين تنتميان إلى أرومة لغوية واحدة فما بالك بالفوارق بين الإنجليزية والعربية، وهما لغتان من أرومتين مختلفتين؟! ولو أنهما ترجما هذه الشكوى لكان ذلك مسوِّغًا لاختياراتهما المصطلحية، وربما سوِّغ شكواهما من صعوبة الترجمة كذلك. وأشار المترجمان الأمريكيان، كذلك، إلى أنهما يوردان المصطلحات الألمانية أحيانًا لينبِّها القارئ إلى أن غادامير ربما يَخرج في بعض المواضع من كتابه على المصطلحات التي استخدمها في مواضع أخرى منه. أما المترجمان العربيان فلم يوردا مثل هذا التنبيه المهم الذي يحتاج القارئ العربي إلى مثله.
ويتصل أول المصطلحات المشكلة في الترجمة العربية بمصطلح "الحقيقة" في عنوانها. إذ ربما كان مصطلح "الصِّدق" المصطلحَ الأوفق. ذلك أن الكتاب لا يتناول الكلام عن "حقيقة" الفنون، مثلاً، بل يتناول تأويل المؤولين لتلك الوقائع. ويُستخدم مصطلح "الصدق" في الفلسفة بهذا المعنى. وكذلك الأمر في مصطلح "المنهج"؛ ودلالته في العنوان واضحة في الإنجليزية، أما في العربية فغامضة. لذلك ربما يكون العنوان الأوضح: "الصدق والمنهج العلمي". ويناقش غادامير في الكتاب استخدام "منهج" التأويل سبيلاً للفهم في مجال "العلوم الإنسانية" في مقابل استخدام ما يسمى "المنهج العلمي" في دراسة العلوم الطبيعية الذي يجادل غادامير بعدم ملاءمته لدراسة "العلوم الإنسانية". ومن هنا ربما يكون العنوان: "التأويل بديلاً للمنهج العلمي".
والمصطلح الآخر الذي استخدماه مصطلحُ "الفن". وتبدو هذه الكلمة نابية في بعض السياقات. والأولى منها استخدام صيغة الجمع "فنون". ومما يتصل بهذا المصطلح استخدامهما تعبير "عمل فن" ترجمة لعبارة artwork و work of Art مع أن المستخدم في النقد العربي المعاصر عبارة "عمل فني". ويناقش غادامير في هذا الكتاب، إجمالاً، "العلومَ الإنسانية" التي تشمل "الأدبَ" والفلسفة والعلوم الإنسانية الأخرى. ومن هنا فالمقصود ليس "الفنون" بمفهومها الضيق بل "الأدب" بمفهومه الأوروبي الواسع القديم، أو "العلوم الإنسانية".
الترجمة:
لم يَعمل المترجمان الفاضلان في هذه الترجمة بتوصيات غادامير في هذا الكتاب عن شروط الترجمة. فمع أنه يقول إن الترجمة "الكاملة" تكاد تكون مستحيلة فهو يبيِّن بعض ما يجعلها أقرب إلى "الكمال". ومما له دلالة أن المترجمين الفاضلين لم يترجما حتى فقرة التوصيات هذه ترجمة صحيحة مؤدية. يقول غادامير (ص 386 من الأصل الإنجليزي):
In situations where coming to an understanding is disrupted or impeded, we first become conscious of the conditions of all understanding. Thus the verbal process whereby a conversation in two different languages is made possible through translation is especially informative. Here the translator must translate the meaning to be understood into the context in which the other speaker lives. This does not, of course, mean that he is at liberty to falsify the meaning of what the other person says. Rather, the meaning must be preserved, but since it must be understood within a new language world, it must establish its validity within it in a new way. Thus every translation is at the same time an interpretation. We can even say that the translation is the culmination of the interpretation that the translator has made of the words given him.
وكما تصلح ترجمتهما لهذه الفقرة مثالاً لعدم التقيد بتوصيات غادامير، تصلح مثالاً لترجمتهما الكتابَ كله كذلك. فهي تَجمع إلى الخطأ في الترجمة الحرفيةَ والركاكةَ التي تُفقد النص معناه وروحه.
يترجم د. ناظم ود. صالح الفقرة السابقة كالتالي (ص 506):
"وفي مواقف معينة حيث يكون بلوغ فهم ما معطلاً أو معاقاً، نصبح أولاً واعين بشروط الفهم بأسره. ولذلك فإن العملية اللفظية التي تكون بها محادثة بين لغتين مختلفتين ممكنة عبر الترجمة هي عملية نقل للمعلومات على نحو خاص. وهنا يجب على المترجم أن يترجم المعنى ليُفهَم في السياق الذي يحيا فيه المتكلم الآخر. وهذا لا يعني، بطبيعة الحال، أنه حرّ في تحريف معنى ما يقوله الآخر. بالأحرى، يجب أن يصان المعنى، ولكن مادام يجب أن يكون مفهوماً ضمن عالم لغة جديدة، فيجب أن يؤسس شرعيته ضمنها بطريقة جديدة. وهكذا، كلُّ ترجمة هي، في الوقت نفسه، تأويل. حتى أننا يمكن أن نقول إن الترجمة هي ذروة التأويل الذي يكوِّنه المترجم للكلمات".
وتعج هذه الفقرة بالخطأ في الترجمة وركاكة الأسلوب. وتشهد بعدم نجاح المترجمَين في نقل نص غادامير إلى السياق العربي، كما يؤكد غادامير على هذه الكيفية في نقل نص من لغة إلى لغة. إذ لا تكاد ترجمتهما تُفهم لأسباب عدة أهمها عدم صياغتها بأسلوب عربي مؤدٍّ وعدم بيان غوامض النص المترجم. ويتضح ذلك كله بمقارنة ترجمتهما بمحاولتي التالية (وسأبين إضافاتي التوضيحية بين قوسين مركَّنين [ ]).
ترجمتي:
"ونَعي بالظروف التي تَحكم الفهمَ كله، أولَ ما نعيها، حين تُعترَض [محاولتُنا] لأن نَفهم أو تتوقف. ولهذا تَكون العملية اللفظية التي تجرى بها محادثةٌ بين لغتين عبر الترجمة كاشفةً بشكل خاص [لأبعاد قضية الفهم]. إذ يجب على المترجم هنا أن يترجم المعنى الذي سيُفهم في سياق [لغة] المتكلمِ الآخر. ولا يعني هذا، بالطبع، أن [المترجم] حر في أن يحرِّف معنى ما يقوله الشخص الآخر. إذ تجب المحافظة على المعنى، لكن بما أن [المعنى] يجب أن يُفهم [الآن] في عالَمِ لغةٍ جديدة، يجب، لذلك، أن يَظهر داخل [اللغة المترجم إليها] بطريقة جديدة. فكلُّ ترجمة، إذن، إنما هي، في الوقت نفسه، تأويلٌ، بل يمكن القول إن الترجمة خلاصةُ تأويلِ المترجِم للكلمات التي ترجمها.
وسأكتفي فيما يلي بإيراد فقرات قليلة من ترجمتهما لمقدمة المترجمَين الأمريكيين وهي أوضح ما في الكتاب. أما المآخذ على ترجمتهما لنص غادامير فتفوق الإحصاء. وستتبين تلك المآخذ من مقارنة ترجماتهما بمحاولاتي الأولية لترجمة الفقرات تلك:
ترجمة د. ناظم وأ. صالح (ص19):
"كتاب الحقيقة والمنهج واحد من أهم كتابين أو ثلاثة في هذا القرن عن الفلسفة والدراسات الإنسانية. الكتاب خطير ومثير، لكنه صعب بالتأكيد. [سقط سطران]. نُشر الكتابُ وغادامير في الستين من عمره، فجنى الثمرة الناضجة للقراءات والتعليم والتفكير. [سقط 11 سطرًا]. يعلّمنا غادامير فكرة عن الترجمة الكاملة هي التي دائماً شيء وهمي تماماً. وبصرف النظر عن الأخطاء اللازمة التي تعكس حدود المعرفة والفهم، على الترجمة أن تنقل العمل من زمن إلى آخر ومن سياق إلى سياق ثقافي آخر. وخلال العقد المنصرم، أصبح كلّ من الدراسة الفلسفية والأدبية معنيتين باطراد بالمفكرين والقضايا التي تتناول عمل غادامير على نحو بارز. وهذا الوضع المتغير يثير صعوبات، ولكنه يمنح الفرصة توصل فكر غادامير وصلاً كاملاً بالحوار الثقافي المعاصر [سقط 20 سطرًا]".
ملحوظات على ترجمتهما:
1- الخطأ في الجملة الأولى.
2- ركاكة الجملة الثانية والغموض فيها.
3- ركاكة الجملة الثالثة وغموضها.
4- ركاكة الجملة الثانية وعدم وضوحها.
5- الخطأ في ترجمة الجملة الرابعة: فبدلاً من تناول المفكرين والقضايا مما اهتم به غادامير، ترجما الجملة لتقول إن تلك الدراسات تهتم بعمل المفكرين الذين اهتموا بغادامير وبالقضايا التي تتناول غادامير نفسه!
ثم إن ترجمة powerful بــ"خطير" تقرب من العامية، وربما يحسن ترجمْتُها بــــ "بالغ الأهمية".
ترجمتي لترجمتهما بعد إدخال ما أسقطاه داخل الفقرة السابقة(وترجمت بعض ما أسقطه المترجمان وحصرته بين أقواس مركنة، وعلَّمت (في السطر التاسع أدناه) موضع السقط الثالث الطويل بنقاط):
"يُعدُّ كتاب "الصدق والمنهج" أحدَ أهم كتابين أو ثلاثة عن فلسفة الدراسات الإنسانية في هذا القرن [العشرين]. والكتاب بالغُ الأهمية وحافِزٌ، لكنه صعب من غير شك. [ولما كان الكتاب مشبَعًا بالفلسفة الألمانية والتقاليد العلمية الألمانية صار أكثرَ تحديًا للقارئ الأمريكي [والعربي!]]. ونُشر الكتاب حين كان غادامير في الستينيات من عمره، وهو [كتاب] يَجمع ثمارَ حياةٍ طويلة قضاها في القراءة والتعليم والتفكير. [ووفَّر ظهورُ عدد كبير من الشروح والتعليقات عليه باللغة الإنجليزية وسائلَ إضافية للاطلاع على فكر غادامير إضافة إلى عدد كبير من المقالات القصيرة التي عاش غادامير، لِحُسن الحظ، ليَكتبها وتوفرت الآن مترجمة [إلى الإنجليزية]. ومع هذا يظل كتاب "الصدق والمنهج" يمثل خلاصةً وافية لأفكاره، وشهادة وافية متكاملة على تأملاته الدقيقة الغنية العميقة]. . . . ويعلِّمنا غادامير أن فكرة وجود ترجمة كاملة يمكن أن تصلح لكل زمان ليست إلا وهمًا. ذلك أنه يَلزم الترجمة أن تَنقل العمل المترجَم من زمن إلى زمن آخر ومن سياق ثقافي إلى سياق ثقافي آخر، إضافة إلى أخطاء المترجم التي لا مفرَّ منها، وهي أخطاء تعكس حدود براعته أو فهمه. وصارت الدراسات الفلسفية والأدبية، خلال العقد الماضي، تهتم اهتمامًا متزايدًا بالمفكرين الذين يبرزون بروزًا ظاهرًا في أعمال غادامير وبالقضايا التي تَبرز فيها كذلك. وينشأ عن هذا الوضع المتغير صعوبات، كما تنشأ عنه بعض الفرص لتقريب أفكاره إلى الحوار الثقافي المعاصر بشكل أكثر كمالاً".
ترجمة د. ناظم ود. صالح (ص20):
"وما يريد غادامير لفت الانتباه إليه هو زمانية الفن. وحين يكون عمل الفن نتاجاً لحقبة تاريخية محددة وتاريخاً لفنان محدد بلا ريب، فإننا نواجهه مع ذلك كعمل راهن ومباشر. ولذلك قد نفكر في أن على الفنّ أن يتعالى على التاريخ، وأن يستمدَّ عالم الجميل من "اللازمان". لكن غادامير يحاول بحذر أن يعرّي مثل هذا الخط من الفكر. وكانط ممثله الأكثر تأثيراً، وكذلك علم الجمال الناشئ منه. وطبقاً لهذه النظرة، تكون الخبرات Erlebnisse، منظوراً إليها كبقايا راسبة من اللحظات التي عيشت بمباشريتها التامة، عبقرية فنية متحولة إلى أعمال الفن. وعمل الفن يبدأ من "الخبرات"، ولكنه يرتفع عليها إلى مستوى دلالة كلية تتجاوز التاريخ".
ملحوظات:
لا يمكن تعداد المآخذ على هذه الترجمة التي تجمع، كالعادة، الخطأ في الترجمة والترجمة الحرفية والأسلوب الركيك. ويمكن أن تتبين المآخذ بمقارنة ترجمتي بتلك.
ترجمتي:
"وما يريد غادامير أن يجادل ضده هو خلود الفنونِ. فمع أنه لا شك أن العمل الفنيّ نتاجٌ لفترة تاريخية معينة ويصوِّر تاريخَ حياة فنان معين، نجد مع ذلك أن بعض الأعمال الفنيّة التي أُنتجت منذ زمن بعيد كأنها معاصرة لنا. وربما يحملنا هذا على الظن بأن الفنون يجب أن تتعالى على تاريخها المحدَّد وأنْ تَصدُر عن مجال الجميل الذي لا "يَحدُّه زمنٌ". لكن غادامير يحاول تفكيكَ مثل هذا المنحى من التفكير برويَّة. [وهو منحًى كان] كانط وعلمُ الجمال المستمدُّ من أفكاره أهمَّ ممثليه عُمقًا. فقد نظر [كانط]، انطلاقًا من وجهة النظر هذه، إلى "التجارب" على أنها بقايا من لحظات تقاوم الزمن وتُعاش بشكلها المباشر بصورة كاملة، بصفتها المادة التي يحوِّلها عبقريٌّ فنانٌ إلى عمل فني. إذ يبدأ العمل الفني من "التجارب"، لكنه يتعالى عليها ليبلغ مستوى معنًى كلِّيّ يتعالى على التاريخ".
ترجمة د. ناظم ود. صالح (ص ص 22-23):
"وفي الباب الثاني يراجع غادامير تطور "العلوم التاريخية"، وتاريخها، لا سيما في ألمانيا في القرن التاسع عشر، وكذلك مساهمتها في رؤيتنا مفهوم "الفهم". إن الحقل الدراسي الإنسانوي الذي حشد مصادر الدراسة التاريخية المنهجية لدراسة النصوص الأدبية والنصوص الأخرى التي وصلتنا هو حقل يسمى "الفيلولوجيا". إن هذا المصطلح ذو حضور طفيف في أمريكا في الوقت الحالي، حتى في الأوساط الأكاديمية، ولكنه يتمتع بحضور بارز في ألمانيا. فنحن نستخدم أحياناً مصطلح "النقد" أو "النقد الأدبي" خصوصاً عندما تتضمن السياقات مقترباً للنصوص التي تشهد على مكانتها الكلاسيكية، كنموذج للكتابة أو كبيانات عن نظرة معينة، أو عندما يُرسم تقابل بين مقترب المؤرخ ومقترب "عالِم فيلولوجي" يجد من الضروري تبنيه، حتى عندما يتبع المؤرخ. ولكننا نستخدم مصطلح "الفيلولوجيا"، بتصرف، لتنبيه القارئ على الحقل الدراسي الذي يصفه غادامير".
ملاحظات على ترجمة هذه الفقرة:
يتابع المترجمان النصَّ الإنجليزي في ترتيب مكونات الجملة. إذ يبدآن الجملةَ الأولى بشبه الجملة ثم يتبعانها بالفعل، بدلاً من بدئها بالفعل، كما في الأسلوب العربي. ويضفي هذا ركاكة واضحة على الجملة. ثم يخطئان فيستعملان كلمة "تاريخها" بدلاً من الترجمة الصحيحة وهي "نظريَّتها". كما ترجما ما بقي من الجملة ترجمة ركيكة. ويبدآن الجملة الثانية بـ "إن" مما يجعلها تبدو مستقلة عن الجملة السابقة، إضافة إلى الركاكة في ترجمتها. ويستعملان الضمير "هو" أو "هي" وتصريفاتهما، هنا وفي ترجمة الكتاب كله، ترجمةً لفعل "الكون" to be في الإنجليزية. ويَخرج هذا على الأسلوب العربي الذي يبين العلاقات بالإعراب بدلاً من هذا الضمير. ويأتيان بمصطلح "فيلولوجيا" بصورته الأجنبية الفرنسية برغم شيوع مصطلح "فقه اللغة" في الدراسات العربية اللغوية والأدبية منذ عقود. وتغشى الركاكة والتفكك والخطأ الفقرة كلها.
ترجمتي:
"يراجع غادامير، في الباب الثاني، تطورَ "العلوم التاريخية" ونظريَّتَها، لا سيما في ألمانيا القرن التاسع عشر، إضافة إلى ما أسهمتْ به [هذه العلوم التاريخية] في تعميق نظرتنا إلى [مفهوم] "الفهم". ويُسمّى التخصصُ [المعنيُّ بدراسة العلوم] الإنسانية الذي مكَّن مصادرَ الدراسة التاريخية المنضبطةَ من تناول النصوصِ الأدبية والنصوص الأخرى التي جاءت من الماضي "فقهَ اللغة". وهذا المصطلح قليل الشيوع في أمريكا الآن، حتى في الأوساط الأكاديمية، لكنه ظل مصطلحًا شائعًا في ألمانيا. ونحن نستعمل أحيانًا [في ترجمتنا هذه [المترجمان الأمريكيان]] مصطلحَ "النقد" أو "النقد الأدبي" [بدلاً من مصطلح "فقه اللغة"]، لا سيما حيث يوحي السياقُ بمقاربة للنصوص تَهتم بمكانتها الكلاسيكية، إما بصفتها نماذجَ للكتابة أو بصفتها أحكامًا عن وجهة نظر معينة، أو حيث يُرسَم تقابلٌ بين مقاربة المؤرخِ ومقاربةٍ يَجد "فقيهُ اللغة" أنَّ من الضروري انتهاجها حتى إن ادَّعى أنه يَنتهج مقاربةَ المؤرخ. لكننا نستعمل مصطلحَ "فقه اللغة" بشكل حرٍّ [في ترجمتنا هذه [المترجمان الأمريكيان]] لتذكير القارئ بالتخصص المحدد الذي يصفه غادامير".
وأختم بترجمتهما لآخر فقرة في الكتاب. وهي ترجمة خطأ مع بساطة الجملة:
4-But I will stop here. The ongoing dialogue permits no final conclusion. It would be a poor hermeneuticist who thought he could have, or had to have, the last word (P.581).
ترجمة د. ناظم وصالح:
"غير أني سأتوقف هنا. فالحوار الجاري لا يجوز أن تكون له خاتمة. وسيكون تأويليا بائسا ذاك الذي آمن بإمكان أن تكون، أو يجب أن تكون، له الكلمة الأخيرة" (ص735).
ترجمتي:
"لكني سأتوقف هنا. إذ لا يَسمح النقاش الحالي [لمسألة التأويل] بقَولٍ فَصلٍ. وسيَكون تأويليًّا بائسًا مَن ظن أن بإمكانه أن يَقول كلمة الفصل [في هذا الشأن]، أو ظن أنه كان يلزمه أن يقولها".
خلاصة:
لا أظن أن ثَمَّ حاجة لإيراد مزيد من النماذج من هذه الترجمة؛ وما أستطيع توكيده أن الملاحظات التي أوردتها عن الفقرات السابقة تصدق على أكثر ما في هذه "الترجمة" إن لم يكن عليها كلها.
ويعني هذا أنه ينبغي لقارئ هذه "الترجمة" أن يكون حذرًا أشد الحذر في قراءتها، فهي "ترجمة" تكاد تكون رطانة خالصة وقاصرة عن أداء هذا النص الصعب أداءً يمكن أن يفيد القارئ العربي. ويحسن أن تُقرأ بمساعدة الأصل الألماني أو ترجمته الإنجليزية!