جانبي فروقة
في دراسة نشرتها شركة ماكنزي للاستشارات تبين أن ما يهدد الاقتصاد العالمي في سنة 2023م ستكون بالترتيب: الصراعات الجيوسياسية والتضخم العالمي وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتقلب أسعار الطاقة والتعطل في سلاسل الإمداد العالمي وارتفاع أسعار الفائدة.
وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن فقر التعلم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل ارتفع إلى 70 في المائة في عام 2022م وأن بين كل 100 طفل في البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل لا يزال نحو 30 طفلا خارج دائرة التعليم وهذا سينعكس سلبا في مستقبل هذه البلدان وستؤدي إلى مخاطر واضطرابات اجتماعية واقتصادية. وعلى مستوى الطاقة فقد شهد العالم صدمة كبيرة في أسواق الطاقة العالمية بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية ولا يزال على صعيد العالم اليوم ما يزيد على 733 مليون شخص محرومين من الكهرباء.
تفاقمت آثار التغير المناخي وشهدنا كيف أودت الفيضانات الشديدة في باكستان بحياة مئات الأشخاص وأدت لتشريد الملايين وأثرت موجات الجفاف في الصين وإفريقيا على الملايين وكذلك شهدت أوروبا موجات حر شديدة وأسوأ موجة جفاف منذ 500 عام وحسب دراسة لناسا نشرت سابقا في مجلة Nature Food أشارت إلى أن التغير المناخي سيساهم سلبا في انخفاض المحاصيل الأساسية فمن المتوقع أن تنخفض غلة محاصيل الذرة بنسبة 24 في المائة والقمح بنسبة 17 في المائة بحول عام 2030. وتقدر تحاليل بلومبيرغ التي تنظر في الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والأعاصير وحرائق الغابات أن إجمالي الخسائر الاقتصادية في جميع أنحاء العالم وصلت إلى 260 مليار دولار في 2022م. وعلى سبيل المثال فإن كندا لوحدها فقدت 40 في المائة من إنتاج القمح لديها في 2022م بسبب الجفاف وتغير الطقس. ولا ننس أن الدول الغنية مسؤولة عن 50 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة وأن بطون الأبقار لوحدها مسؤولة عن انبعاثات 27 في المائة من غاز الميثان الذي يعد احد غازات الدفيئة.
شهدنا في عام 2022 انعدام الأمن الغذائي والأسمدة وقد ساهم في ذلك آثار الحرب في أوكرانيا وارتفاع معدلات التضخم وتعطل سلاسل الإمداد وتراجع النشاط الاقتصادي لمعظم بلدان العالم ونتيجة لكل ما سبق فقد شهد العام الماضي اشتداد أزمة الديون للبلدان النامية بحيث إن 60 في المائة من أشد البلدان فقرا إما في حالة مديونية حرجة أو معرضة لمخاطر ذلك. وهذا طبعا سيؤدي إلى تعطل الاستثمارات لهذه البلدان في مجالات الإصلاح الاقتصادي والصحة والتعليم المهمة لأية عملية تنمية مستدامة والمحللون يبشروننا بركود تضخمي Stagflation حيث ترتفع معدلات البطالة مع ازدياد التضخم وتنخفض معدلات النمو الاقتصادي. وقد تفاقمت ديون العالم لتصل أكثر من 303 تريليونات دولار حسب صندوق النقد وهذا يمثل ثلاثة أضعاف الناتج المحلي العالمي والذي بلغ في 2022م 100 تريليون دولار. فشل العالم في مواجهة الفقر حيث إن جائحة كورونا مثلت أكبر انتكاسة لجهود الحد من الفقر بالإضافة للحرب الروسية - الأوكرانية وتبعاتها مع آثار التغير المناخي ومن المتوقع أن يعيش أكثر من 685 مليون شخص في فقر مدقع مما يجعل عام 2022م ثاني أسوأ عام على مستوى جهود الحد من الفقر بعد عام 2020م. وقد علقت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا بأن ثلث العالم سيعاني في العام 2023م من الركود وكذلك أشارت غولدمان ساكس بأن أسعار السلع الاستهلاكية ستزيد 40 في المائة في عام 2023 م في حال استمرار الحرب الأوكرانية.من المرجح أن نشاهد في عام 2023م خصخصة الكثير من القطاعات الحكومية في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل والتي قد تكون حلا لاجتياز هذه المرحلة الحرجة كما فعلت الهند في عام 1991م واستطاعت بعد ذلك أن ترتقي للمرتبة الخامسة في سلم أقوى اقتصاديات العالم. توقعت المؤسسة المالية الدولية تراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.7 في المائة في 2023م مقارنة بمعدل نمو 3.2 في المائة في 2022م وحتى أن بيير أوليفييه (كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي) حذر من أن الصورة قد تكون قاتمة أكثر لينحدر النمو العالمي إلى أقل من 1 في المائة.
خسرت أسواق البورصة العالمية أكثر من 30 تريليون دولار من قيمتها في عام 2022 ووصف ما حدث بحادثة البجعة السوداء (حيث يستخدم مصطلح «البجعة السوداء» لوصف الحوادث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي لا يمكن تجنبها ويستحيل التنبؤ بها، وتعود التسمية إلى الاعتقاد بأنه كان من الأشياء النادرة وجود البجعة السوداء إلى حين اكتشاف البجع الأسود في استراليا في القرن السابع عشر).
وعلى الصعيد الجيوسياسي فالوضع متلبد بالتوتر فالتحالف الأمريكي - الأوروبي مع أوكرانيا ضد الروس سيستمر ولا سيما بعد تخصيص المليارات الكثيرة والدعم العسكري المتطور لأوكرانيا وفي بحر الصين الجنوبي نجد أن التوتر ينحسر بين تايوان ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان مع الصين ينخفض تدريجيا نتيجة تصاعد نسب الكورونا في الصين والتي تضغط على نظام الرعاية الصحية في البلاد وتؤدي إلى تباطؤ نشاطها الاقتصاد وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الدروس التي يراها الرئيس الصيني شي جينغ بينغ من الحرب الروسية - الأوكرانية التي تحولت في الوقت الراهن إلى حرب استنزاف ومدى استعداد أمريكا لدعم تايوان بكل ما يلزم لمواجهة خطر الغزو الصيني كل ذلك يدعو الصين إلى لجم خيول الحرب ويبدو أن الصين ستوقف أي عمل عدواني لبضع سنوات على الأقل. كما بدأنا نرى صعود القوة النائمة لليابان بعد أن خصصت 2 في المائة من الناتج القومي لميزانية الدفاع لديها وستبقى الهند تشتري النفط والسلاح من روسيا وتحصل على كل الدعم الغربي لمجابهة الصين وفي الشرق الأوسط فالوضع أصبح أخطر مما كان عليه بوصول حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة إلى الحكم واحتمال زيادة العنف مع الفلسطينيين مع ازدياد الاستيطان والاستفزاز الديني. وستبقى قضية إيران هي المهيمنة في عام 2023م في الشرق الأوسط وخاصة بعد صعود الاحتجاجات الداخلية والتدهور الاقتصادي المستمر وقضية إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الذي ستقف بشكل قوي ضده حكومة نتنياهو وصعود الجمهوريين إلى مجلس النواب الأمريكي والتعقيدات التي تفرضها المساعدات الإيرانية العسكرية لروسيا. كل ذلك قد يعطل الاتفاق ويدفع ساسة إيران إلى المضي في تطوير أسلحتهم النووية.
للأسف يبدو أننا سنرى أسرابا من أحداث البجع الأسود في 2023م، في الماضي كانت الأسلحة تصنع للقتال في الحروب أما اليوم تصنع الحروب لتباع الأسلحة.
** **
- كاتب ومقيم في الولايات المتحدة الأمريكية