د. عبدالحق عزوزي
ما زلنا نتحدث عن أهم محطات سنة 2022 في الساحة الدولية، وفي هاته المقالة سنبرز عناصر أخرى بتجاوز القشرة السطحية لمقتضيات الأحداث، وتأمل الأسباب التي تتحكم فيها، والنظر في حركتها المديدة الفاعلة في العمق، حتى تتم الفائدة من هذا النوع من الحصيلة السنوية في أدبيات التحليل الجيو-سياسي:
- شهدت دول في الاتحاد الأوروبي موجات حر وجفاف استثنائية... فبريطانيا مثلًا خضعت لضغط جوي حاد في شهر يوليو، حيث شهدت ارتفاعاً في درجات الحرارة للمرة الأولى تفوق الـ 40 درجة مئوية؛ واعتبر هذا الشهر الأكثر جفافاً منذ العام 1935، وهذا ما جعل السلطات توقع مرسومًا يحظر ري الحدائق أو غسل السيارات في العديد من المدن... ثم إنه لا يجب أن ننسى الحرائق المهولة في أوروبا والعديد من دول العالم...
- زد على ذلك أن البنك الدولي حذر من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين أكثر الأماكن على الأرض عرضة للخطر نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر، خاصة المناطق الساحلية المنخفضة. كما توقع أن يتعرض عشرات الملايين من البشر في المنطقة لضغط نقص المياه بحلول عام 2025... وشح المياه نتيجة الجفاف الذي سيؤدي بدوره إلى زيادة الضغط على موارد المياه الجوفية وإلى قلة المحاصيل الزراعية...
- إن الحرارة في العالم سترتفع بواقع 1.5 درجة مئوية، وستتكرر الموجات الحارة الشديدة باستمرار وذلك بسبب الاحتباس الحراري؛ وتبقى النشاطات البشرية هي التي تتسبب في كل هاته المصائب؛ والعالم لا يتعظ، ولا تنظر الدول إلا إلى مصالحها الخاصة...
- شاهد الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال القمة الأمريكية-الإفريقية مباراة المغرب وفرنسا في مونديال قطر، مشيدًا بالأداء «الرائع» لمنتخب «أسود الأطلس» خلال البطولة، وقال بايدن، على تويتر بعد مباراة نصف النهائي : «لقد كان شرفًا عظيمًا أن أشاهد المباراة إلى جانب رئيس الوزراء المغربي السيد عزيز أخنوش.. بغض النظر عن الفريق الذي تشجعه، فإن ما حققه هذا الفريق رائع».
- يحسب للرئيس الأمريكي هاته الخطوة التي من خلالها أفهم للعالم قوة إفريقيا من خلال منتخب أسود الأطلس الذي كان على أدائه إجماع عالمي، وعلى تصرفاته الأخلاقية إشادة عالمية، وفهم الرئيس الأمريكي أن الصداقات تتكون من خلال هاته الخطوات، وأنه يجب فهم واحترام ثقافة ودين الآخر... وهذا ما لخصته صحيفة الغارديان البريطانية، عندما كتبت إن ممارسة المغاربة لطقوس دينية أثناء مباريات كأس العالم «قطر 2022» وفخرهم بالإسلام «يجب أن يلهمنا جميعًا». وذكرت الصحيفة في تقرير مطول، أنه «قبيل ركلات الترجيح في دور الستة عشر بين المغرب وإسبانيا، تلا اللاعبون المغاربة سورة الفاتحة، وبعد تأمينهم العبور إلى دور ربع النهائي، ركض الفريق نحو الجمهور وقام بالسجود». وأشارت إلى أن المغاربة من خلال هذه الممارسات «لم يعلنوا للعالم فخرهم بكونهم مغاربة فقط، بل فخرهم بالإسلام أيضًا، الذي ألهم احتفالات بنشوة النصر في جميع أنحاء العالم الإسلامي». وأوضحت الصحيفة أن «رؤية اللاعبين المغاربة على تلفزيون عالمي وهم يطبقون تعاليم الله بتكريم أمهاتهم اللواتي كن يرتدين الحجاب، لم يكن جميلًا ومؤثرًا وراقيًا فحسب، بل كان مهمًّا ومبلورًا لجوهر المنافسة الدولية».
- عقدت قمة أمريكية- إفريقية احتضنتها واشنطن، وشارك فيها نحو 50 من القادة الأفارقة؛ إذ تحاول الولايات المتحدة تدارك تأخر تواجدها الفاعل في القارة الإفريقية وإيقاف المد الصيني والروسي في هاته القارة التي يتعدى عدد سكانها المليار نسمة ويشكلون 15 % من سكان العالم؛ وقد أكد الرئيس الأمريكي في خطاب ألقاه أنه يؤيد منح الاتحاد الإفريقي عضوية دائمة في مجموعة العشرين وكشف أنه يعتزم زيارة دول في إفريقيا جنوب الصحراء ستكون الأولى لرئيس أمريكي منذ عام 2015؛ وعلى هامش القمة، أعلنت الولايات المتحدة تخصيص استثمارات بقيمة 55 مليار دولار في مشاريع بالقارة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، من بينها استثمارات في الطاقة الخضراء وتدريب العاملين في مجال الصحة وتحديث شبكات الإنترنت.
- ولا يخفى على كل متتبع أن النفوذ الصيني والروسي المتزايد في الدول الإفريقية، يثير مخاوف الولايات المتحدة، من مغبة توسع الدولتين الغريمتين لها وللغرب عمومًا في هذه المنطقة؛ خاصة وأنه وفقًا للتوقعات، ستكون القارة بحلول عام 2050 موطنًا لربع سكان العالم؛ وبحلول عام 2075 سيرتفع العدد إلى الثلث؛ فالكثير من تاريخ هذا القرن سيكتب في إفريقيا؛ وتأتي القمة اعترافًا متأخرًا بهذه الحقيقة...