أ.د.عثمان بن صالح العامر
أحياناً تعود لتسأل نفسك أسئلة قد تبدو للوهلة الأولى أنها سطحية وساذجة, ولكن حين تتعمق فيها وتمعن النظر طويلاً بما هو مختبئ خلف ألفاظها الظاهرة تجد أنها بالفعل تستحق الوقوف عندها طويلاً والتفكير بها بشكل مختلف عمّا هو دائر في ساحتها التي تعودت أن تتحدث عن هذا الموضوع ولم تفكر بما عنّ لك يوماً ما.
البحث العلمي مثلاً مفردة متداولة ومتعارف عليها في الوسط الأكاديمي صغر ذلك الوسط أو كبر، حديث الميلاد كان أو أن عمره جاوز المائة عام، بل إن هذا المصطلح يعتبر في نظر المتخصصين المهمة الثانية للجامعات بعد التعليم والتدريس ولا يمكن أن يعيش عضو هيئة التدريس دون أن يمضي ساعات عمره باحثاً ودارساً لقضايا فرعية ومحددة في تخصصه الذي ينتمي له، ولكن لنسأل أنفسنا نحن المتجذرين في هذا الوسط الذين أمضين سنوات من عمرنا داخل أروقة الجامعات ومع الأكاديميين من مختلف الجنسيات واللغات والتخصصات، ما الفائدة الحقيقية التي رأيناها لهذا الجهد البشري في عالمنا العربي فضلاً عن محيطنا الخليجي ووطنا السعودي؟.
شخصياً أعتقد جازماً أن الباحث يستفيد من أبحاثه في الترقية بدءاً من محاضر وصولاً للأستاذية إن كان جاداً وقارئاً متميزاً ويملك أدوات ومهارات ومنهجية البحث العلمي، وقد يصبح مؤلفاً له حضوره الثقافي والعلمي الفاعل والإيجابي، ولكن هل هذا كل شيء؟، أين هي الأبحاث التي تعتبر حداً فاصلاً بين عهدين، ما قبل الرؤية 2030 وما بعدها؟، أين هي الأبحاث التي استطاع الباحث من خلالها أن يفتح بها أفقاً أوسع أمام متخذي القرار ليُصنع القرار على أساس علمي رصين ومنهجية تحليلية صحيحة بعيداً عن العاطفة الذاتية والمؤثرات الآنيّة التي قد تظلل صاحبها وتورث الضبابية وتولد العجز عن فهم أبعاد الظاهرة محل الحديث؟، أين هي الأبحاث والدراسات التي تحولت من عالم الورق ودنيا الحرف إلى منجز حضاري ومنتج معرفي ومخترع علمي جعلنا شركاء حقيقيين في صناعة التقدم العالمي؟. لماذا لا يمكن أن نصل لرقم دقيق حين نتحدث عن ظواهر سلبية أو إيجابية في مجتمعنا المحلي؟ وأين الباحثون من كل هذا، خذ مثالاً على ذلك حين نتكلم عن الطلاق، البطالة، التسرب الدراسي، متعاطي المخدرات، الإسكان، وعلى هذا قس.
إن المرحلة توجب في الوقت الذي نطالب فيه بتعزيز ودفع البحث العلمي في جامعاتنا السعودية نطالب وبإلحاح إلى ترشيد هذا النوع من النشاط الذهني والفكري حتى يصب في المصلحة الوطنية ويحقق الفائدة الاجتماعية فكم هي القضايا المستعصية والأرقام الغائبة والمشاكل الجاثمة التي تنتظر الباحثين الجادين الذين يفنون أعمارهم للمشاركة الحقيقية في بناء رؤية واضحة وصحيحة يبنى عليها قرار ويتحقق بها إنجاز فينال صاحبها أجري الدنيا والآخرة.
أنا هنا لا أعمم ولكن أتكلم عن الغالبية منا نحن الأكاديميين نفكر أولاً في سرعة الحصول على الشهادة وإذا كبرنا الترقية العلمية ومتى حصلنا على الأستاذية صارت أبحاثنا مجرد أوراق عمل للمشاركة في مؤتمرات وملتقيات وندوات خارجية وقد نتقاعد فعلياً عن ممارسة البحث والقراءة والدرس يوم صدر قرار الترقية لدرجة أستاذ دكتور مع أن المفترض العكس تماماً.
ولكي نتجاوز هذا الوضع وننتصر على ذواتنا ويشد بعضنا بعضاً ونتعاون على البر والتقوى في هذا الباب ونشارك بفاعلية علمية في تحقيق رؤية المملكة 2030 كان لازماً التأكيد هنا على أهمية نشر الجمعيات العلمية وفتح فروع لها في جميع الجامعات السعودية ودعمها مادياً ومعنوياً وتفريغ أساتذة متميزين للإشراف عليها وحصر جميع المختصين في هذا الفن أو ذاك تحت مظلتها وتيسير أمورها الإدارية والأكاديمية حين رغبتها إقامة مؤتمر أو ندوة وملتقى وجعلها البوابة الفعلية لتجمع علمي بحثي وطني فاعل ومستديم، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.