د. محمد بن إبراهيم الملحم
ليزدهر حال اللغة العربية في مدارسنا، أستكمل معكم اليوم، المشاريع التي يمكن أن تبذل في هذا السبيل، وحيث شرحت فيما مضى دور المعلم والمدرسة، فأنتقل اليوم إلى مستوى أعلى وهو الإدارة الوسطى، والذي يتمثل في إدارات التعليم، فأرى أن تكون مشاريع اللغة العربية على مرحلتين: أولاهما أن تقوم كل إدارة بعمل دراسة تحصر فيها المعلمين المحتاجين إلى دعم لغوي، وذلك في مجالاته الثلاثة: القراءة، والتحدث، والكتابة، والثانية تقديم تدريب يرتقي بالمحتاجين منهم، وأرى أن تبدأ بأسهل المجالات، وهو الكتابة، خاصة الكتابة على السبورة، حيث يجب أن يتمكن المعلم من الكتابة السليمة إملاءً، والمقبولة خطًّا، وأرى أن أسهل طريقة للتشخيص هي قيام مشرفي الإدارة بتصوير خطوط المعلمين التلقائية على السبورة بجوالاتهم، ثم تكوين لجنة لتقييم تلك الخطوط، وما بها من أحكام إملائية، ومن لم يحصل خطه وإملاؤه على الحد الأدنى للتجاوز، يتم إلحاقه بدروات تدريبية لتحسين خطه وإملائه، ومن تميزوا يتم تكريمهم على مستويين؛ الأول: المتميزون ببراعة، يكرمون في حفل تكريم، وتقدم لهم المكافآت الجزيلة، والثاني: المتميزون بشكل عام، فهؤلاء يكرمون في الحفل تقديراً لهم، وبالإضافة إلى ذلك تعطى لهؤلاء المتميزين من كلا الفريقين فرصة التقدم كمدرب (بأجر جاذب) لبقية المعلمين المحتاجين إلى تحسين خطوطهم.
وأقترح بعد حل مشكلة الكتابة على السبورة، أن تنتقل إدارة التعليم إلى مرحلة تالية، تتمثل في تقديم برامج تدريبية للمعلمين الذين وضحت مرحلة الدراسة أنهم يشكون من مشكلات نطق شائعة، مثل قلب الضاد إلى ظاء، أو قلب القاف غيناً والعكس (وهي مشكلة شائعة في المنطقة الشرقية، تأثراً باللهجة الكويتية)، وأمثالها من المشكلات بحسب كل منطقة ولهجة.
يضاف إلى ذلك تكثيف البرامج التدريبية على الإلقاء اللغوي السليم، والذي تُلتزَم فيه القواعد الرئيسة كرفع الفاعل، ونصب المفعول، وأحكام التذكير والتأنيث للعدد والمعدود، وما إليها من الأحكام العادية الأولية في قواعد اللغة.
بعد إنجاز هذا الجانب، تنتقل إدارة التعليم إلى مستوى آخر في اللغة، ينبغي أن يوليه التدريب عنايته، وهو أن يتمكن المعلم من «الفهم القرائي»، فيكون قادراً على تفكيك الجمل والعبارات في نص مادته التي يدرسها، ويقدم هذا التفكيك لطلابه ليلهمهم لغوياً، ويسهل لهم قراءة النص الذي يذاكرونه بدل أن يحفظوه صما عن ظهر قلب، كم من معلمينا متمكن من ذلك؟ وإن هذه المهارة لو قصر الإشراف التربوي والتدريب التربوي نشاطه عليها فقط لسنة كاملة ليكتسبها أغلب المعلمين ولكل المواد، لكان كافياً وشافياً عن أي توجيه أو تدريب آخر، فالتدريس الفعال، ليس سوى تفكيك النص، وتبسيطه ليهضمه المتعلم، ويدرك المقصود منه، هذا هو ما نسميه الشرح الجيد الرائع.
وجدير بالذكر أن الانتقال بين المستويات التي ذكرتها آنفاً (تحسين الخط والإملاء، تحسين النطق، تحسين الفهم القرائي) لا يلزم أن يكون متتالياً بشكل كامل، وإنما يمكن أن يحدث اثنان أو حتى الثلاثة كلها معاً، ويكون ذلك بشكل خاص نتيجة لتقييم الحال المبدئي الذي يتم عمله في البداية، فمثلاً في حين أن التقييم القبلي يوضح ضعف مجموعة في الخط على السبورة، فإن من اجتازوا مثل هذا التقييم قد يظهر من تقييم آخر لسلامة النطق أو للفهم القرائي حاجتهم إلى التدريب في أي منهما، مما يبرر إنشاء البرامج متوازية زمنياً، ومستمرة طوال العام.
وبالإضافة إلى ما تقدم، فإني أؤكد ضرورة تُفعِّل إدارات الإشراف التربوي والإدارة المدرسية أهمية اللغة العربية في تقييم المعلمين، فلا يكفي النشاط الزائد والمبالغة في استخدام الوسائل التعليمية المعينة والتمكن من المادة العلمية ليكون المعلم «متميزاً»، بينما هو يخطئ في العربية بشكل مكشوف! فلابد أن يكون لإتقان اللغة (في الحد الأدنى منها كما شرحنا مسبقاً)، وزنه وقيمته المهمان في تقييم المعلمين السنوي، وسنرى أثر ذلك -بعدئذ- واضحاً في تحسن ملموس لدى جميع المعلمين، ومبادرتهم الذاتية للتطوير الذاتي، يبقى فقط شأن واحد هو أن يكون المشرفون التربويون أنفسهم متمكنين من اللغة بما يكفي، لقيامهم بتقييم المعلمين فيها، أما من كان لديهم ضعف (وأجزم بوجودهم لعلمي بذلك قطعاً) فلابد من البدء ببرامج تحسينية لهم قبل كل شيء، وقبل كل برنامج أو مبادرة مما ذكرته آنفاً جميعاً، ومتى تمكن هؤلاء «القدوات» من الحد الأدنى المطلوب من المعلم لغوياً كان ممكناً للإدارة التعليمية بعدها أن تبدأ في أنشطتها ومحاولاتها لتحسين المعلمين، ففاقد الشيء لا يعطيه.
**
- مدير عام تعليم -سابقاً-