سارا القرني
من أهم مستهدفات رؤية المملكة 2030 هي أن تكون الرياض من أكبر 10 مدن اقتصادية في العالم، أي ستكون الرياض مركزاً تجارياً ومقراً إقليمياً للعديد من الشركات العالمية الضخمة التي ترفع من اقتصاد الرياض خاصة والمملكة بشكل عام، وهذا بالطبع جانب واحد من أهداف إستراتيجية الرياض.
هذا المستهدف الذي وضع له سمو ولي العهد -حفظه الله - إستراتيجية طموحة ومفاجئة.. يعني بلا شك وجود عدد هائل من السكان في مدينة الرياض، وهو ما أُعلن سابقاً بأن يكون عدد سكان الرياض بين 15 إلى 20 مليون نسمة خلال 2030م!
كلّ ذلك لا يزيدنا إلا تطلّعاً للمستقبل الطموح.. والنتائج المبهرة - بإذن الله-، لكنه يضعنا أمام تساؤلات يتملكنا الفضول لمعرفة إجاباتها، منها مشكلة ازدحام الطرق المرورية!
يشكِّل الازدحام المروري هاجساً لكل مدن العالم الرئيسية أو السياحية، وفي المملكة يستحوذ ازدحام الرياض على نصيب الأسد من الأفكار التي تحاول حلّ هذه المشكلة، ويأتي من بعدها جدة ثم الدمام، وأكثر أوقات الازدحام هي التي يخرج الموظفون إلى أعمالهم فيها الطلبة إلى مدارسهم بمختلف مراحلها وكذلك الجامعات، وما تنتهي ذروة اليوم الأولى حتى تجتاحك الثانية بخروج الطلبة والموظفين، فترتان يومياً يكون فيهما الازدحام خانقاً للمدينة ويكاد أن يصبح شللاً في حركتها، ناهيك عن أيام العطلة الأسبوعية التي يستحيل فيها تقريباً تمضية الوقت في مكانين مختلفين في يوم واحد!
لست بصدد سرد المشكلة فهي معروفة لدى سكان هذه المدن دون أن أصفها، ومعروفة لدى القادمين إليها لإنجاز أعمالهم كذلك، لكنني وبعد اطلاع سريع على الحلول المطروحة لحل هذا الاختناق.. راودتني فكرة الإجازات المرنة، التي يُقسِّم فيها أيام الأسبوع على موظفي القطاع الواحد أو الشركة الواحدة، بحيث يأخذ جزء من منسوبي قطاع معين إجازتهم الأسبوعية يومي الاثنين والثلاثاء، ثم تليهم مجموعة أخرى يومي الأربعاء والخميس، ثم مجموعة يومي الجمعة والسبت، وهذه الإجازات المرنة لو طبّقت في قطاعات مختلفة لوجدنا ثلث سكان مدينة ما - تقريباً- لن يذهبوا إلى أعمالهم كل يومين وستخف وطأة الزحام بشكل ملحوظ، ثم تُنظّم أوقات الدوام للطلبة لتكون على مراحل مختلفة في اليوم الواحد، بحيث لا يتعارض أحدهما مع الآخر وتفصل بينهم ساعة على الأقل.
كلّ هذه التنظيرات أعرف أنها تجد معوقات على أرض الواقع.. ومشاكل اقتصادية ربما تواجهها الشركات والقطاعات، وتعطّل مصالح الكثير في مختلف الدوائر، لذلك نعود إلى نقطة لطالما أثارت جدلاً واسعاً في اعتمادها بشكل رسمي أو بشكل مؤقت للحالات الطارئة، وهي الدراسة والعمل عن بُعد، أو ما يُسمى أحياناً العمل الهجين.. وهو المزج بين أيام الدوام عن بُعد وأيام الدوام الحضورية!
الازدحام المروري هو خنق للتطور والنمو، وعامل سلبي نحو جذب المزيد من ساكني المدن الرئيسية وكذلك الشركات التي ترغب في بيئة مناسبة لتسيير أعمالها، وأضيف من عندي.. أنه سبب رئيسي لأمراض القلب والقولون وضيق التنفس والتوتر والمشاعر السلبية، لأن غالبية السائقين يرون أنّ غالبية السائقين الآخرين أقلّ مهارة منهم في الازدحام، أقلّ سرعة في التحرك، أقلّ انشغالاً، وبالتالي يكون الجميع ضدّ الجميع في هذا الحشد الهائل من السيارات المتراكمة في الطريق، والبقاء للأكثر وقاحة، أو الأكثر تهاوناً لأنظمة وتعليمات المرور.