عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ) والسعفة هي الْخُوصَةُ.
قبل أيام ودعنا سنة 2022 برقمها المميز وكأننا بالأمس استقبلناها بخيرها وشرها، الزاخرة بكثير من الكوارث المناخية بسبب عبث الإنسان بالبيئة، والاحتباس الحراري، والجفاف، والحروب الدموية التي حذرنا منها زهير بن أبي سلمى في معلقته مستشرفا المستقبل بقوله:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم
حروب ومعارك أزهقت دماء الأبرياء إرضاء لأطماع الساسة والطغاة كالحروب الصهيونية المتكررة والمتقطعة التي تعد أيامها على أصابع اليدين غالباً ضد أرض الإسراء والمعراج، حتى تفوقت عليها في الهمجية الحرب الروسية الأوكرانية التي زادت الغلاء والتضخم على العالم قاطبة وأنسته جائحة فيروس الكورونا.
أطل علينا عام 2023 ونحن نعيش في أمن وأمان وبحبوحة من العيش في الأرض التي تحققت فيه دعوة نبينا إبراهيم (عليه السلام): {رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}. عام جديد ندعو الرحمن أن يرفل فيه عالمنا بالأمن والأمان والرخاء والحب والسلام والإيمان بالقيم النبيلة التي دعت إليها الأديان السماوية، وأن نكافح القيم والأفكار الوضعية المنحرفة التي يدعو إليها شذاذ الآفاق المغضوب عليهم، الضالين المضلين الذين تفوقوا على قوم لوط، وعلى أستاذهم إبليس الذي رفض السجود لأبينا آدم (عليه السلام) بالدعوة والترويج للفواحش والشذوذ بما يسمى المثلية وغيرها، وما خفي أعظم.
في 2023 لنا أمنيات وتمنيات وأحلام نرجو ألا تكون كأمنيات العاجز، ولا كتمنيات الكسول، ولا كأحلام اليقظة، أو أحلام فترة النقاهة عند نجيب محفوظ، ولا كأحلام الطفولة التي طالما بنيناها على الرمال عند الشواطئ وفي البراري، ولا كأضغاث أحلام السابتين، وليست كأحلام النساء الوردية، أو كحلم إبليس بالجنة! بل أحلام جميلة كرؤية يوسف (عليه السلام) في صدقها وتحققها.
في 2023 لنحلم وننظر لأحلامنا لا بعيون زرقاء اليمامة بل بعيون البصيرة، وأنه لا مكان عندنا للأحلام الصغيرة، وأنها لا تنتهي بنهاية ديسمبر من كل عام.
في 2023 نرفع كفوف الضراعة بقلوب خاشعة، وعيون دامعة، وألسن داعية بأسمائه الحسنى أن يرحمنا الرحمن، ويجعله عام حب ووئام وسلام لمن كرمه الله وحرم دمه وماله وعرضه في خطبة يوم عرفة بقوله (صلى الله عليه وسلم): «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟».
دعونا نبتهل إلى الله أن يرشد البشرية إلى ما يحبه ويرضاه، وأن نحترم اختلافنا في الأديان والمذاهب والأفكار والمبادئ والأعراف والتقاليد وأن إبراز اختلافاتنا دائما والصراع حولها لن يجدينا نفعاً، وأنها باقية إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، إنه لن يستطيع أصحاب دين أو مذهب ما أن يقضوا على أصحاب دين أو مذهب مغاير منافس لهم مهما أعدوا لهم من قوة، والأفضل أن ننظر لاختلافاتنا بنظرة إيجابية بأنها رحمة ونعمة وتنوع وثراء معرفي ومادي، وأن نلتقي على كلمة سواء ونتعارف كما أمرنا ربنا {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}.
ستمضي قافلة 2023 بما قدرها القدير كما مضت آلاف السنوات والأعوام وسيبقى الإنسان الضعيف بتمنياته وأحلامه يتمنى ويحلم في بداية كل حول بالحب والعطاء والخير والسلام واعمار الأرض، فهل ستتوافر عنده النية الصادقة لتحقيقها على الواقع؟