لطالما كانت المعاناة قرين الإنسان في هذه الحياة، فهي تحمل في طياتها الكثير من التجارب المختلفة التي تصقل ذواتنا، فتلك الآلام التي نوجهها هي ضريبة تأسست منذ نشأة الوجود ولا يمكن تجنبها بأي شكل من الأشكال.
فالحياة مليئة بالضرائب منذ يوم ميلادك وحتى مماتك ولا أقصد هنا الضرائب المادية، بل أقصد نوعاً آخر وهي ضريبة الوجود.
حين تحب ستدفع ضريبة عواطفك.
حين تجرب الشهرة ستدفع ضريبة خصوصيتك.
حين تقرر الانعزال ستدفع ضريبة نسيانك.
حين تصل إلى النجاح ستدفع ضريبة أعدائك.
يقول لويز إيرديش:
«ستحطم الحياة قلبك، ولن يستطيع أحد أن يحميك من ذلك، ولا حتى العيش منعزلاً عن الجميع لأن حتى العزلة ستجعلك تعاني من الحنين إلى الآخرين.. عليك أن تحب وأن تشعر بحب الآخرين لأن هذا هو سبب وجودنا على الأرض، أنت هنا في الحياة لتقامر بقلبك»
نعم، أنت هنا لتقامر بقلبك وستتعرَّض لنوع مختلف من الضرائب هو أشد إيلاماً من تلك التي كنت تدفعها من جيبك كالضرائب النفسية.. العاطفية.. الأسرية.. العملية هي ضرائب وجودك في الحياة حتى وإن أوصدت أبوابك ونوافذك عن الحياة ستجدها تنش من الجدران.. لا مجال للهرب أنت موجود يجب عليك أن تقبل المعركة بخسائرها وغنائمها وبضريبتها ومكافأتها..
ذكر نتيشة في كتابه هكذا تكلم زرادشت: «الألم أمر ضروري للمبدع أن يتألم المرء يعني أن يتحول وأن ينتج المعرفة، في كل ولادة هناك موت، ولا ينبغي على المرء أن يكون الوليد فقط، بل الوالدة أيضاً! مثله مثل المبدع الحق أقول لكم، عبر مائة مهد ووجع ولادة، عليكم أن تصلوا إلى إبداعكم.»
إن محاولة تجنبك ضريبة الألم ضرب من الجنون.. الألم هو الذي يجعلك تكمل الرحلة. يقول الدكتور غازي القصيبي «الألم النفسي من سنن الحياة، نعم نحاول تفاديها لكن استحالة نتجنبها بشكل كامل.. لذا كان فهم ذواتنا وأسباب آلامنا هو من أهم الأشياء التي يمكن لنا فعلها على الإطلاق.. افهم نفسك أولاً ثم أعمل على حمايتها ثانياً»
إن تلك الآلام هي التي تصنعك وتجعلك تدرك جمال الأشياء من حولك وقيمتها، وعيك بفلسفة ضريبة الحياة يجعلك أكثر دقة في اختياراتك وأكثر تعايشاً مع الأشياء بحلوها ومرها، وإن تكابد الشقاء سيمنحك شعوراً مضاعفاً بالسعادة والامتنان..
ولا يمكن القول بأن تلك الآلام سوف تنتهي في يوم ما لأن اختفاء ضريبة الحياة يعني نهايتها وانعدام الوجود فهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بواقع الإنسان وقبولها أول مراتب الارتقاء والوصول إلى الرضا والطمأنينة التي تعيننا على إكمال الرحلة فاقبل الحياة بضريبتها.