عثمان بن حمد أباالخيل
الإنسان مجموعة من الذكريات، ذكريات لها وقع جميل وذكريات أخرى مؤلمة تعصف بالعقل. الذكريات المؤلمة لها ضجيج كارثي لا تترك العقل يهدأ بل تجعله في حالة من التفكير ولا تتركه يتوقف عن ذلك ليلاً ونهاراً. إن استرجاع الذكريات مراراً وتكراراً يفاقم الحزن الذي يشعر به الإنسان ويُطيله، ويُولد على المدى البعيد اضطرابات في الصحة النفسية. حين يسترجع الإنسان تلك الذكريات فإن رأسه يكاد ينفجر من كمّ التفكير ولوم نفسه التي زينت له ذلك الموقف أو تلك المواقف التي أتى بها في غفلة من عقله وما أكثر الذين ندموا لكن الندم بعد فوات الأوان يشبه ري النبتة اليابسة في وسط الصحراء وفي فصل الصيف.
أتساءل ويتساءل الكثيرون كيف هي عملية تجاوز الماضي والتعافي من ذكرياتك المؤلمة؟ فكرة الهروب من الماضي فكرة سيئة جداً لا تفيد إذ يظهر الماضي في كل وقت وسيبقى ماضياً منقوشاً في جدار الذكريات، شخصياً أرى التصالح وطلب السماح من الماضي قد يخلص الإنسان من عبء ثقيل. لا يمكننا تغيير الماضي فهو تاريخ وعلينا تقبله إذا لم نتصالح معه. تجاهل مشاعرنا التي حدثت في الماضي ليس حلاً مناسباً وإن اختفت بعض الوقت فإنها تكون في حالة سبات لطالما استيقظت وهزّت عقولنا.
من الصعب أن يمنع الإنسان دماغه من أن يرسل إشارات حزن وقلق مخزنة في الذاكرة في أوقات تغير الحال. ولا يستطيع كذلك أن يتوقف عن التفكير الذي يجعله في حلقة مفرغة من التفكير الذي يأخذه حيث يشاء في عالم المجهول. من حولنا الكثيرون ممن يستعيدون ذكرياتهم القديمة والحديث عن الماضي بكل لحظاته، سواء أكانت لحظات سعيدة أو حزينة وهذا ما يؤثر على حاضره ونوعية مزاجه، ومهما يكون الماضي سعيداً ومفرحاً فإنه دائماً يحمل في طياته الحزن والألم والفراق والوداع. سجل تاريخك حياتك احتفظ به لنفسك ولا تجعل الآخرين يتصفحونه فيؤذونك متى أرادوا وليس هناك أحرص من الإنسان لنفسه إلا نفسه. تمتع بالحاضر وتغلّب على الماضي وأدعو الله أن يكون مستقبلك مشرقاً ولا تجعل غيوم الماضي تغطي شعاع الشمس في الحاضر. لنفسك عليك حق من نعيم الحاضر فلا تقيدها بأخطاء الماضي ومن منا لم يخطئ فنحن بشر لسنا معصومين من الخطأ. سجل تاريخ تفاصيل حياتك كما تحب وبالطريقة التي تحبها أنت من يكتب ذلك وليس من حولك، تلفت من حولك واسأل كم صفحة من سجل تاريخ حياتك تود تمزيقها ستجد عشرات الصفحات ربما مئات الصفحات وهذا من المستحيل عليك التعايش معها وتخفيف الآثار السلبية بالآثار الإيجابية ولا تحمل نفسك أكثر من طاقتها ولا عقلك من التفكير المفرط.
(كل يوم أعيشه هو هدية من الله ولن أضيعه بالقلق من المستقبل أو الحسرة على الماضي). الدكتور غازي القصيبي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.