رمضان جريدي العنزي
كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوها فإنها منتنة)، أي اتركوا دعوى الجاهلية، لأنها منتنة قبيحة منكرة كريهة مؤذية، لإثارتها الغضب على غير الحق والتقاتل على الباطل، إن الإسلام جاء لينهى عن التعصب للشخص أو القبيلة أو البلد، ورفض العنصرية بكل أشكالها وألوانها وتصنيفاتها، بلال الحبشي العبد المملوك، حوله الإسلام إلى سيد من سادات المسلمين، وتزوج النسيبة الشريفة رضي الله عنها، أخت عبدالرحمن بن عوف، والذي قال عنه عمر بن الخطاب، «وددت إني زوجت بلال إحدى بناتي» حتى قال كلمته المشهورة: «أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا»، إن العنصرية والتعنصر والتعصب مرض اجتماعي خبيث، وفيروس وبائي خطير، وسرطان مدمر للشعوب، ووباء فتاك، لقد حارب الإسلام العنصرية والتعصب الأعمى حرباً لا هوادة فيها، سواء عنصرية إقليمية أو طبقية أو مناطقية لأن عواقبها وخيمة، ونتائجها خطيرة، تأخذ الناس نحو القاع والمستنقع، وتؤدي بهم للتفكك والتشرذم واحتدام النفوس، إن تعتقد بأنك الأفضل والأحسن والأرقى لوناً وجنساً وعرقاً، فهذه هي العصبية المقيتة، والشر المستطير، والنكوص المرير، إن الأعمال والأفعال والأقوال العنصرية لا تأتي إلا بالفرقة والضعف والهوان، إن الناس في الإسلام متساوون، خلقهم الله من تراب، وجعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا، ومن ثم يعودون للتراب، وجعل التقوى فقط شرط التميز بين الناس، قال تعالى في محكم تنزيله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، لقد قال ابن تيمة: (ليس في كتاب الله آية واحدة يمدح فيها أحد بنسبه، ولا يذم أحد بنسبه، وإنما يمدح بالإيمان والتقوى، ويذم بالكفر والفسوق والعصيان)، إن سيرة السلف الصالح عابقة بالتصالح والتسامح والأخوة المتينة والترابط القوي، ليس لديهم استنكاف ولا استكبار ولا ازدراء ولا لغو ولا همز ولا لمز، تمسكوا بأهداب الدين الحنيف وتعاليمه بدقة متناهية حتى سادوا الدنيا، وإذا أردنا أن نرتقي مثلهم علينا تطويح العنصرية بعيداً جداً عن تعاملاتنا وأقوالنا وحياتنا اليومية، إن النزوة العنصرية لا تجلب سوى البغض والتباغض، ولا يمكنها أن ترفع بلداً، أو تنشر ديناًأو تعلي أحداً، بل تؤدي إلى صراعات واحتراب وخلافات، معها تثور الأحقاد في النفوس، وتتحرك الضغائن في الصدور، فلا تتقدم الأمة ولا تتطور ولا يتم الإنجاز، ويكره الناس بعضهم البعض، وبناءً على ذلك علينا أن نضيق دائرة العنصرية والتعصب ونردم حفرها ونضع أمامها المصدات العملاقة، ونلفظها لفظاً كبيراً، فمن دونها تصبح الحياة بيضاء نقية، ويصبح الناس إخوة وأحباباً وأصحاباً.